المدينة المنورة/ جمال بنت عبدالله السعدي/
تتعدد مزايا الدول حول العالم من نواح، وتتفاوت من حيث قيمتها الجغرافية والتاريخية و الحضارية والثقافية، وتبذل كل دولة جهودها للتسويق لمواقعها ،وتشجيع السياحة فيها عبر برامج متنوعة وعبر العديد من الوسائل والوسائط .
بينما تحظى المدينة المنورة لكونها مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانة عظيمة ، فاحتلت حيزا كبيرا في قلوب جميع المسلمين حول العالم ،لكونها المدينة التي اختارها الله تعالى لتكون مهاجراً وموطناً ومثوى لنبيّه الكريم ، فكانت أول عاصمة للإسلام، انطلق منها الهدى لجميع أقطار الأرض لتكون مهوى الفؤاد ومــأرز الإيمان.
وبما شهدته من أحداث ووقائع وبما تحتوي عليه من آثار ومواقع ترتبط بروحانية المكان وعاطفة الحب في الله لمن سكن هذه الأرض ، وسار عليها ومات فيها، تاركا أثرا وتاريخا عريقا، فكان جدير بها أن تكون عاصمة السياحة الإسلامية على مدار الأعوام .
تتمتع المدينة المنورة بالعديد من المزايا التي تدعو المسلمين لزيارتها بداية للصلاة في مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين وهو احد المساجد التي تشد اليها الرحال كما جاء في الحديث الشريف “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا.” وفي الصحيحين عنه أنه قال: “صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام.”
وجمعت المدينة المنورة بين جنبيها العديد من المواقع الأثيرة على قلوب المسلمين فتهفو الروح الى الروضة الشريفة وهي موضع في المسجد النبوي يقع بين المنبر وحجرة النبي ﷺ ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”
وتبادل الحب بالحب مع جبل من جبال الجنة الا وهو جبل أحد «هذا أحد جبل يحبنا ونحبه، على باب من أبواب الجنة»
وعلى ضفاف الوادي المبارك تنتظم القوافي وجاء في حديث عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صلّ في هذا الوادي المبارك).
وذكر وادي بطحان وما جاء في القرآن الكريم في آية تحريم الخمر حيث تم تكسير واغداق جرار الخمور حتى سال الواد بها وروي أنه على ترعة من ترع الجنة في رواية عن أم المؤمنين عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أن بطحان على ترعة من ترع الجنة. وفي رواية على بركة من برك الجنة.
ومن أهم ما يدعو المسلمين لزيارة المدينة المنورة الوقوف على مواقع نزلت فيها آيات الاحكام والتحريم والتشريع ، وأبرز ما سطره التاريخ من سيرة السلف الصالح ، عدا عن استشعار المكان بالسير بمواقع شهدت خطى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و على ثرى ارتوت من دماء الشهداء الأبرار و من غزوات ومعارك ، وباتت شاهده على مواقف سطرها التاريخ و كان لها أبرز الأثر في التاريخ الإسلامي في عصوره الأولى عصر الصحابة من المهاجرين والأنصار فجبلت الأرض بعرقهم ودمائهم وشهدت بطولاتهم وفتوحاتهم ومآثرهم ونزل فيها الوحي وجاب طرقاتها جبريل وميكائيل عليهما السلام .
ومن أبرز معالم المدينة المنورة التي ارتبطت بالوجدان مسجد قباء وهو أول مسجد أسس على التقوى والذي ثبت في السيرة النبوية الشريفة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكباً وماشيا، وأن الصلاة فيه تعدل عمرة. عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل.
و مسجد القبلتين وسمي كذلك حيث نزل الوحي على النبي بتحويل اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام. تبعاً لقول الله (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة 144. فتحولت القبلة أثناء الصلاة من المسجد الأقصى الى المسجد الحرام .
ولا تكفي جولة ولا عدة جولات للوقوف علىالعديد من المساجد النبوية التي في كل منها قصة وعبرة وشاهداكمسجد الجمعة حيث صلى المسلمون أول صلاة جمعة فيه في المدينة المنورة ،و مسجد المنارتين و مسجد الميقات ،ومسجد الفضيخ ومسجد الراية ومسجد السقيا ومسجد الغمامة ومسجد الفتح و مسجد المغسلة (بني دينار) ومسجد العينين ومسجد الفسح (أحد) ومسجد دار النابغة ومسجد الإجابة ومسجد النور (التوبة) ومسجد مصبحو فيها من البساتين الغناء حيث عرفت من قديم الزمان بأرض ذات نخل ، غير أن تمور المدينة مشهود لها بالجودة والنوعية الفاخرة خاصة عجوة المدينة .
أما الجبال فلكل جبل حكاية، فإلي جانب جبل أحد هناك جبل الرماة وعليه وقف النبي صلى الله عليه وسلم عليه في معركة أحد وجواره مقابر سيد الشهداء ومن المحبذ زيارتها . وجبل الراية الذي نصبت عليه راية النبي صلى الله عليه وسلم في غزوتي خيبر وتبوك.
كما جبل سلع والذي على سفحه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق لمنع المشركين من دخول المدينة، وجرت عنده أحداث معركة الأحزاب.
وتلك ثنية الوداع وعندها كان النبي صلى الله عليه وسلم يودع من يخلفه على المدينة، وضرب معسكره عليها استعدادًا لغزوة تبوك وجبل ثور وجبل عير.
أما الحديث عن الأودية فتلك رواية أخرى من الأودية وادي العقيق قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العقيق وادٍ مبارك»، وقوله: «إنه -أي وادي العقيق- يحبنا ونحبه».
وادي بطحان ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بطحان على بركة من برك الجنة».
وادي ذات الجيش وهو مكان نزول آية التيمم ومعسكر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق.
و تغنى المغنون ونظم الشعراء المدائح بالآبار النبوية كبئر أريس وفيه جلس النبي صلى الله عليه وسلم على حافته ودلى ساقيه فيه، ثم بشر أبا بكر وعمر وعثمان بالجنة. وبئر غرس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم البئر بئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه».
بئر رومة ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من اشترى رومة فله مثلها في الجنة» فاشتراه عثمان بن عفان رضي الله عنه وأوقفه للمسلمين ولا يزال ماؤه لليوم يغدق على سكان المدينة المنورة .
الى جانب العديد من الآبار مثل بئر حاء و بئر ذروان وبئر بضاعة و بئر الهجيم و بئر البوصة وبئر السقيا .
تلك المدينة المنورة الثرية بالمواقع والمأثر والمعالم شاهدة على التاريخ وهي أرض طيبة ونسيمها طيب وفيها من الخير والبركة أضعاف ما بغيرها من المدن. دعا لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالبركة ضعفي ما دعا سيدنا إبراهيم عليه السلام بالبركة لمكة المكرمة وبات فيها الأجر مضاعف والخير مضاعف.
وهي المحبوبة والمحبورة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، و المحروسة والحصينة التي تحفها الملائكة ويمتنع عن دخولها الدجال والوباء فغدت لها الأفضلية بالسكنى والأولية بالزيارة .
يستشعر القادم اليها بالسكينة والهدوء و راحة النفس وصفو البال و بهجة الفؤاد .
ويفارقها من يفارقها بدموعه راجيا العودة اليها من إثر ما يجد فيها من سكينة وخشوع وراحة بال.
وعليه تستحق وبجدارة أن تكون عاصمة السياحة الإسلامية دون منازع .