بقلم/ منصور جبر
@mansourjabr
في سفح جبل صغير عند شارع يشق مدينة الطائف باتجاه الغرب، بين حي المَثْناه وشِهار يقع مسجد المدهون الأثير.
يعتبر مسجد المدهون من المساجد التي بنيت خارج سور الطائف، واختلف المهتمون بتاريخ الطائف في تحديد إنشائه، ويرجِّح بعضهم أنه بني في أواخر العهد العثماني، وحرر بعض المؤرخين تاريخ إنشائه سنة 1262هـ في عهد الشريف عبد المطلب بن غالب أمير مكة آنذاك.
ومن لطائف أهل الطائف أن للمسجد ثلاثة أسماء، فيسمى مسجد المدهون، ومسجد القَنطرة، ومسجد قابل.
فأما تسميته بالمدهون فنسبة لجبل المدهون الذي بني المسجد في سفحه، وهو لقب لرجل كان يسكن في هذا الجبل، أو لنبات الدهن الموجود به. ومن يسميه مسجد القنطرة فهو ينسبه لقنطرة ماء كانت أمام المسجد تعبر من فوقها عين المَثناة، ومن أسفلها سيل وادي وِج الشهير.
وأما من يسميه مسجد قابل فلأن بجواره مزرعة لآل قابل.
المسجد أثري في بنائه، تراه من بعد فتشعر بحنين عجيب، وتَشْدَهُكَ منارته المدببة الملتوية الجميلة الغريبة في شكلها وبرأسها المستدير الأخاذ.
يبهرك مسجد المدهون بتصميمه وحجارته القوية وتناسقه الجميل، يحميه من أعلاه الجبل، ومن أسفله أحيط بسور حديدي حماية له.
بني المسجد من الحجارة القوية الصلبة، فهو يتحمل عوامل التعرية والرياح وجريان سيول الأمطار من الجبل، وله باب واحد ينفذ إليه.
طول المسجد من داخله 7 أمتار، وعرضه 12 مترا تقريبا، يتوسطه عمود يرفع سقفه، وعتبات الباب والنوافذ كلها وضعت من الخشب القديم.
للمسجد نافذتان مستطيلتان للتهوية تطلان على الوادي، مغطاة بالشبك، وله سبع نوافذ أخرى موزعة في جدرانه، كانت توضع عليها المصاحف والفوانيس.
وأما محراب المسجد فهو بسيط الشكل بهي الطلعة، بني من الحجر والطوب الأحمر والخشب، يرتفع عن مستوى أرضية المسجد متراً ونصف المتر تقريبا.
المسجد مهجور لا تقام فيه الصلوات ولا الجمعة حاليا، فقد نشطت الأحياء حوله وبنيت مساجد جديدة ونهضت مدينة الطائف نهضة عملاقة، لكن مسجد المدهون لا يكاد يهدأ من الزوار وعوام الناس، الذين يأتون إلى الطائف في مناسبات مختلفة إذ يحرصون على زيارته والصلاة فيه.
وفي فناء المسجد على يسار الداخل إليه دكة مرتفعة، بها غرفة مفتوحة كانت مكاناً لتعليم القرآن الكريم آنذاك، بها رفان من الحجر القوي وضعا فوق بعضهما، كانت توضع فيهما المصاحف وأتاريك الإضاءة ليلا، وبها نافذة كبيرة للتهوية.
وأما منارة المسجد فهي قصة بحد ذاتها، تترجم لك حكاية ذلك الزمان بوضوح، إذ تستوقفك منذ أن تلمح المسجد من بُعد، وتثيرك باستدارتها الجميلة ورأسها المدبب.
ترتفع المئذنة لتصل إلى 15 مترا تقريبا، وشكلها الاسطواني المتدرج يذكرك بالمآذن الملوية التي ظهرت في العصر العباسي قديما، كجامع سامراء الكبير، وجامع بن طولون في القاهرة.
بنيت منارة مسجد المدهون من الحجر الصلب القوي، وهي مجوفة من وسطها ليتسنى للشخص الطلوع فيها ورؤية المسجد من أعلاه، وتحتاج للوصول إلى قمتها 28 درجة.
مسجد المدهون قصة من الصمود، ورحلة من الجمال في ذلك الوادي الجميل من ثقيف، حيث جمال الأرض والتاريخ والحياة.