أنسام الصباح تحرك الأشجار أمامي وانا أسير في ممشى الحديقة، وأقول لنفسي : وهذه ذعاذيع الشتاء ارسلها ليبشرنا بقدومه الميمون، فأتوقف لألتقط نفسًا عميقًا وأنفثه، فتصل إلى مسمعي أغنية من هاتف فتاة مرت بقربي :
“نسم علينا الهوا من مفرق الوادي….. ”
وكعادتي اكمل بقية الأغنية في راسي وتظل عالقة بعض الوقت، ثم استرسل في خيالاتي عن الوادي وكل الأودية التي مررت بها في حياتي، وعن التنزه وخاصة في البر وما أكثر البراري في بلادنا، ولكن هذا العام المرنق بالقطوب، هل يتيح لنا التجمع من جديد؟
هل ستدعوني صديقاتي إلى استراحة في أطراف المدينة؟ نتسامر . هل سأستطيع السفر حيث الشواطيء المحببة إلى نفسي من جديد؟ شاطيء الرأيس البكر،. شواطيء جدة الصاخبة، شاطيء ينبع القريب من النفس، وحتى شاطيء أبو ظبي، محطة الذكريات الجميلة .
وتساؤل أبسط :هل سأركب الطائرة مرة أخرى؟
ألن يجعلنا الخوف نتردد في الخروج ، عدا عن الاجتماع أو السفر أو التنزه؟
هل غيَّر الفايروس مجرى حياتنا؟ خاصة وأنه يأبى الرحيل.
وكان ردي علي تساؤلاتي الداخلية، مثلٌ من أمثال أمي التي لازالت تدوي في رأسي :
(من خاف سلم)، حسنًا فلتصمت هذه الذعاذيع، وليهدا موج البحر الذي يدوي في رأسي، وصور السهرات البرية التي تلوح لي كلما هب الهواء ، وينتصر الخوف مرة أخرى كما انتصر علينا جلَّ هذا العام فأبقانا في بيوتنا، وهزم الشوق، فعز اللقاء حتى في الأعياد، وعودنا على الجفاء.