بقلم/ منصور جبر
يحتل مسجد المعمار مكانة هامة ضمن خارطة المساجد الأثرية في منطقة جدة التاريخية، ويعود بناؤه إلى قرابة ثلاثة قرون ونصف، حيث بناه مصطفى معمار باشا عندما كان واليا على مدينة جدة، ولهذا يُلقَّبُ المسجد باسمه.
ومسجد المعمار واسع البناء، كبير الحجم، مرتفع عن مستوى الطريق حوله.
ويقع في شارع العلوي غرباً في حي المظلوم القريب من برحة نصيف الشهيرة.
ولروعة هندسته القديمة فإن الوصول إليه يكون عبر طريقين، وذلك وفقاً للجهات الجغرافية التي يأتي منها المصلون، فمن جاء من جهته الشرقية يكون عليه صعود الدرج، ومن أتى من الجهة الشمالية يصل إلى باب مدخله مباشرة، وهذا من السر المعماري الذي يتحدث عنه جيران جامع المعمار.
حينما تذكر جامع المعمار داخل أسوار جدة القديمة المعروفة اليوم باسم “المنطقة التاريخية”، فأنت تتحدث عن تاريخ يمتد لأكثر من ثلاثة قرون من البناء والصمود حتى اليوم.
يذكر كبار السن أن البحر كان ملاصقاً للجامع من جهته الغربية، وأن المصلين كانوا يتوضؤون منه في بعض الأحيان.
وأعلى محراب المسجد نقش قديم كتب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، كلما دخل عليها زكريا المحراب، وأسفل منه مكتوب: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، محمد رسول الله الصادق الوعد الأمين) وبينهما نقش تاريخ إنشائه سنة 1063هـ.
وتصف الدوائر الرسمية المتخصصة بالتراث في السعودي مسجد المعمار بأنه يحتل المرتبة الثانية في خارطة المساجد الأثرية في المنطقة التاريخية بعد جامع الشافعي.
تَمَكّنت أعمال التنقيبات الأثرية من العثور على البئر التاريخية التي كانت تغذي المسجد بالمياه، وكذلك على مجرى آخر كان يصل عين فرج يسر بالمسجد.
صاحب هذان البئران المسجد منذ إنشائه وترميماته، يبلغ عمقهما أربعة أمتار، وطول امتدادهما سبعة أمتار تقريباً.
تنتصب في طرف المسجد منارته السامقة، كرجل كبير السن يُطِلُّ على صغاره من بُعد، يعرف تفاصيل حياتهم اليومية، ويستلهمون منه الصمود والوقار.
وفي مؤخرة المسجد باحة مفتوحة، تحتها مصلى للنساء، ويعلوها ميازيب لتصريف المياه حال نزول الأمطار.
وفي داخل مسجد المعمار يبرز الطراز العثماني، يظهر ذلك في القناديل الضوئية والأسقف الخشبية العلوية والمساندة بين جدران العواميد التي استمرت صامدة رغم عوامل التعرية لجودة الخشب المستخدم في عمليات البناء آنذاك، بالإضافة إلى بقايا أحجار قديمة تشير إلى طريقة بناء المسجد في ذلك الزمان.
ويزين جدران الجامع من الداخل حزام طويل محفور عليه آيات قرآنية، إضافة إلى القبة الخشبية الخضراء، والمكبرية الخشبية التي لا تزال باقية في مكانها، حيث كان يردد المؤذن تكبيرات الإمام فوقها ليُسمِع الناس كعادة المساجد الكبيرة القديمة.
وتحت الأرض يقع “المستودع الكبير” قيل أنه كان دكاكين ومحلات أوقفت للجامع، ثم تحولت بعد ذلك إلى مقهى شعبي، ثم أضحت “مستودعا” لحفظ الهوادج التي كانت تحمل النساء في رحلات الحج.
مر مسجد المعمار بعمليات ترميم واسعة، إحداها كانت للشيخ حمزة جمجوم، والثانية كانت لعبد الرحمن نصيف، لعبت تلك الترميمات دوراً هاماً في الحفاظ على كيان هذا الجامع الأثري.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله تم ترميم مسجد المعمار ترميماً شاملاً دون المساس بالأساس الهندسي الأصلي للجامع.
مسجد المعمار، قطعة من التراث، وحكاية من التاريخ، ورحلة من الجمال والذكريات التي لا تُنسى في مدينة جدة وفي المنطقة التاريخية منها بالتحديد.
@mansourjabr