بقلم/ منصور جبر
@mansourjabr
يعتبر مسجد الشافعي أحد أهم وأعرق المساجد الأثرية في حارة المظلوم بمدينة جدة التاريخية، إذ يعود بناؤه لأكثر من 1400 سنة، حين انتدبَ الخليفة الراشدُ عمرُ بنُ الخطابِ عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنهما لبناء مسجدين في جدة، فبنى مسجدَ عثمانٍ أولاً، ثم بنى مسجدَ الشافعي، ولهذا يُصنَّفُ مسجدُ الشافعي كأهم إرث إسلامي في مدينة جدة.
بُني مسجد الشافعي في صدر الإسلام على الطريقة القديمة، ولهذا كان يُسمى بالمسجد العتيق، ومنذ قرابة 500 سنة سُمي بمسجد الشافعي لأنه كان يُدرَّس فيه المذهب الشافعي، نسبةً إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، أحد أئمة المذاهب الأربعة.
ومسجد الشافعي فريد الشكل جميل البناء، يتجلى بطرازه الذي يظهر فيه طابع العمارة الفاطمية، تتوسطه باحة مفتوحة ليس لها سقف، يصلي فيها الناس لينعموا بالهواء العليل، تحيط بها عشرة ميازيب لتصريف مياه الأمطار. وفي مقدمته المصلى المسقوف الذي يحميهم من وهج الشمس وحرارتها، وهجوم الرياح والأمطار الموسمية.
شُيِّدَت لَبِنَات مسجد الشافعي من الطين البحري، والرمل، والجبس، ومن الحجر المنقبي المُستخرج من ساحل البحر، وتزينه أعمدة خشبية تصل إلى 18 عموداً في كل المسجد، منها 12 في المصلى المسقوف. تنتصب تلك الأعمدة الخشبية الجميلة على قواعد من الأحجار القديمة المنقوشة، يرجع بعضها إلى العهد العثماني.
ويزين المسجد 27 قوساً أثرياً، منها 14 قوساً للمصلى المسقوف، نُحِتَتْ من الحجر الأبيض القوي، تظهر بجمالها الفريد الذي يعود بك إلى فن العمارة الإسلامية القديمة.
ولمسجد الشافعي 4 أبواب من الخشب القوي المتين، بها نقوش وزخرفات تعد من جماليات الزخرفة الإسلامية القديمة أيضا.
ويتوسط مسجد الشافعي بئران حُفِرا خصيصاً له، كان الناس يرفعون ماءها بالحبال والدلو ليتوضؤون ويشربون، ثم مُدَّت بالمواسير إلى خارجه، فهي موجودة الآن ينتفع منها الناس في وضوئهم وشربهم خارج المسجد.
وهناك في ركن مسجد الشافعي تنتصب منارته التاريخية الأثرية، التي يعود بناؤها إلى القرن السابع الهجري، تظهر بإطلالتها البهية كمعلم تاريخي أصيل، تقرأ في تفاصيلها وزخرفاتها ونقوشها قصة الحضارة القديمة، وتاريخ العمارة الإسلامية، ولا زالت تقف شامخة لقرون طويلة، يَصدح من فوقها صوت الأذان ليصل إلى أكبر مدى في مدينة جدة.
ولعُمق التاريخ الذي شهده مسجد الشافعي العتيق فإنه يقع أسفل مستوى الطريق دلالةً على قدمه، حيث التغيرات المناخية وتحرك التربة التي رفعت ما حوله عن مستواه.
اعتنى الخلفاء والسلاطين بمسجد الشافعي فأُوقِفت له محلات وأماكن حوله، يعود ريعها لدعم المسجد والاعتناء به، كما حرص الخلفاء منذ القدم على ترميمه وتجديده، يجددون في جدرانه ونوافذه، ويتفننون في زخرفة محرابه الأخّاذ. وتذكر كتب التاريخ أن آخر عملية إصلاح وترميم له قديماً كانت قبل 500 عام تقريباً.
ومؤخراً شهد اعتناءً وتجديداً بأمر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، فرُمِّمَ وجُدِّد مع المحافظة على مكوناته القديمة التي يُشَمُّ منها تاريخ الإسلام، وانطلاقة الرسالة.
وفي عمليات الحفر والتجديد وُجِدَ تحت محرابه محراب قديم، واكتُشِفَت أساسات لقرونٍ سالفة كانت بفعل محاولات الترميم السابقة له.
ولمسجد الشافعي مكتبة قديمة تحوي كتباً تراثية هامة، أهديت إليه عبر تاريخه القديم، وتناقلتها الأجيال قرناً بعد قرن.
ذاك هو مسجد الشافعي، المسجد العتيق الذي بُني في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.