تقرير : حازم حسين
ينبع تلك المحافظة الواعدة التابعة لمنطقة المدينة المنورة و التي تتاخم البحر عبر شريط ساحلي على البحر الأحمر والذي ارتبطت به ارتباط وثيقا ، شكلت ملامحه العمرانية ووجدان ساكنيه وقوت يومهم وحرفتهم الخالدة.
وقد عرف أهالي ينبع بعشقهم للبحر فكانت حياتهم فيه يبحرون وسط أمواجه ليالي وساعات كثيرة ، يبحرون لمهنة الصبر والحلم والصفاء ، يكتسبون الصبر من لحظات كسبهم وثمار عرقهم ،ويستمتعون بعالم خالي من الضوضاء فلا شيء يكدر صفو أوقاتهم فيه.
الأخطبوط ذاك الكائن البحري والذي هو عنوان هذه القصة الغربية تعلق بتراث أهل ينبع بعد ان كان رفيقهم الدائم في عالم البحار وانتقل معهم الى البر على شكل زخرف يزين رواشين البلدة القديمة.
وتعد الرواشين أحد أهم ملامح فنون العمارة التي عرفت في الحجاز ، والرواشين كلمة مفردها روشان وهو لفظ معرب عن الكلمة الفارسية “روزون” وتعني النافذة أو الشرفة .
الزائر للمنطقة التاريخية بينبع والمدقق في أشكال الرواشين وزخارفه المعقدة والمميزة يكتشف شئيا من وجدان الأجداد حيث كان البحر هو دكان رزقهم وقوت يومهم لذلك ضمنوه زخارف متنوعة في الرواشين فتجد السمك أشكال مختلفة فيه كما تجد الأخطبوط معلق في أعمدته في شكل ابداعي فريد.
وقد تناول الأستاذ عاطف القاضي الصحفي والمرشد السياحي تفاصيل مميزة عن الرواشين في كتابه “رواشين” والذي أشار فيه الى ان الرواشين تكشف عن المستوى الاقتصادي للأسرة وهي أحد شواهد الثراء لصاحب البيت ، ويعد الخشب هو العنصر الأساسي في تصميم الرواشين وتكوين أجزائها كالقواطع الخشبية المفرغة والتشكيلات الزخرفية المتنوعة التي تظهر على جزء من أجزاء الروشان ،أو تغطي كامل مساحة الروشان في بعض الأحيان وتتراوح أطواله من ثلاثة إلى أربع أمتار.
ويقول سالم غنيم والذي كسب شهرة كبيرة في صناعة الروشان في المنطقة الغربية وينبع تحديدا، ان الروشان حرفة تحتاج للحرفنة والانامل الفنية ولا يتقنها أي نجار ،وتختلف زخرفتها رغم أن شكلها العام واحد الا أن الروشان في ينبع يختلف عن الروشان المديني عن المكي والطائفي والجداوي وكانت الرواشين تصنع من الخشب الذي لا يتأثر بعوامل الجو والرطوبة أو الحرارة وملوحة البحر.
وأضاف غنيم الى ان الروشان ليس للزينة بل يعمل على تبريد المنزل قديما بالإضافة الى برادات لمياه الشرب ، وله العديد من الفوائد حيث يقلل من دخول الغبار وأشعة الشمس .
وأوضح الأستاذ فيصل بن سالم النزاوي احد المهتمين بصناعة الرواشين أن كثير من الرواشين الرائعة ذهبت في مهب الريح ولم يبقى الا القليل ولكن بفضل الله نحن نسير قدماً لإعادتها مرة أخرى.
وأشار الى أن الاختلاف في اشكال الرواشين يرجع لصاحب الدار فكل صاحب منزل في ذلك الوقت كان من الاثرياء يحب ان يجمل بيته بروشان يدل على وجاهة اهل البيت لذلك كان يحرص صاحب الدار على صنع روشان يختلف عن جارة وفيه فكرة جديدة تجذب الانظار اليه بالإضافة الى صيانته المستمرة ليحافظ على رونقه وجماله.