أبها:جمال بنت عبدالله السعدي
من نعم الله تعالى على بلادنا الغالية أن منَّ عليها بالتنوع الجغرافي و المناخي مما جعل كل منطقة من مناطقها ذات طابع متميز فريد من نوعه والذي انعكس على طبيعتها و تراثها و ثرائها و تميزها .
وليس بدعا من الخيال إن قلنا أن كل تلك المناطق تكاد تمثل وجهة بذاتها ، للباحثين عن الجمال ، و للراغبين بالاصطياف و الاستمتاع بالأجواء المناخية الساحرة و ممارسة الهوايات ، والتأمل ، و التعرف على عادات أهلها و سبلهم في التغلب على الطبيعة القاسية ، وقدرتهم على التأقلم و التعايش مع تقلبات المناخ وتضاريس المكان ، والذي تجلى في الفن العمراني و تنوع المنتجات الحرفية والزراعية ، والأدوات المستخدمة في الحياة اليومية والحرف اليدوية ، و كذلك فنونهم وعاداتهم وتقاليدهم المتفردة .
و لا يختلف اثنان على أن السمة الجامعة بين سكان المناطق هي حب الغريب متجليا في حسن الوفادة وكرم الضيافة لا سيما في منطقة عسير .
كانت الوجهة هذا العيد نحو الجنوب لمدينة أبها عروس الجبال – والتي شبهت كثيرا بجبال لبنان –
أبها التي طالما طربنا لما نُظِمَ فيها من قصائد لا تعد ولا تحصى تتغنى بسحر جمالها و شموخ جبالها و نقاء سحابها و ضبابها وأمطارها و رونق خضرتها .
و من أبرزها قصيدة الشاعر غازي القصيبي الذي يقول :
يـا عروس الربى الحبيبـة أبهـا
أنت أحلى من الخيال وأبهى
كلما حرك النفوس جمالُُ
كنت أزكى شذى و أنضر وجها
وإذا ما أرتمى على الجفن حلم
كنـت فـي حلمـنا أرق و أشهى
و سرعان ما يرد على ذهن المتلقي ممن يسمع باسم أبها المقولة المعروفة :
“أبها البهية التي ترد العجوز صبية ”
وفي هذا اشارة لما تمنحه الأجواء البديعة فيها ، و من حيث درجات حرارة معتدلة صيفا ، و أمطار على مدار العام مع انتشار الضباب في أشهر الصيف ، والطبيعة الخلابة من البساتين و المدرجات على سفوح الجبال و الأودية والغابات الصنوبرية الخضراء التي تسر الناظرين و تمنح الانتعاش للروح ، و تضفي البهجة على النفس مما يستدعي تجديد الحيوية و الشباب .
تقع أبها جنوب غرب المملكة العربية السعودية على قمم جبال الحجاز و على ارتفاع يتراوح ما بين ٢٢٠٠-٢٤٠٠ م وقد يصل في بعض المناطق الى ٣٠٠٠ م عن سطح البحر.
وتعد هي عاصمة منطقة عسير .
اختيرت عاصمة للسياحة العربية عام ٢٠١٧ م نظراً لما تتمتع به من إمكانات سياحية
يقال أن سبب التسمية عسير لعسرة أرضها حيث تكثر فيها الجبال الشاهقة وما يتخللها من أودية وشعاب وعرة . ويقال نسبة لقبيلة عسير القوية والمنيعة ومعظم من حكم المناطق فيها من قبيلة عسير .
يبلغ عدد محافظاتها نحو ١٧ محافظة منها :
خميس مشيط والنماص و أحد رفيدة و بيشة و رجال ألمع وبلقرن وتنومة وتثليث كما تتبع لها العديد من المراكز وتبلغ نحو ١٢٨ مركزا ك السودة و بللسمر و بللحمر وغيرها كثير . تربط بينها شبكة من الطرق المسفلتة والأنفاق والجسور مما يسهل التنقل بينها مع توفر البنية التحتية و توفر كافة الخدمات فيها .
أمضينا يومنا الأول داخل مدينة أبها حيث تجولنا في شارع الفن ، و سوق الثلاثاء وهو من الأسواق الشعبية القديمة في المنطقة ، يقصده المصطافون لاقتناء المنتجات اليدوية القديمة ، ومن أبرز ما فيها الملابس الشعبية ، و منتجات الخوص من المكانس التقليدية و القفاف والسلال والقبعات التي كان يستخدمها المزارعون في بساتينهم للوقاية من أشعة الشمس ، الى جانب أدوات المطبخ وأباريق الشاي والبخور والقدور المصنوعة من الحجر مرورا بالفضيات والاكسسوارات الدارجة في تلك المنطقة ، واللافت فيه أيضا كثرة محلات بيع العسل لثراء منطقة عسير بالمناحل التي تربى النحل على النباتات الطبيعية بالجبال والبساتين كعسل الطلح والسدر .
بالإضافة لما تتميز به من زراعة الفاكهة مثل العنب والمشمش والخوخ والتفاح والبرشومي والذي يروى غالبا بمياه المطر بفضل المناخ المعتدل.
و مما يميز منطقة عسير فن القط العسيري الذي بات من أهم الفنون التراثية المسجلة كأحد عناصر التراث السعودي في قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى «اليونسكو»
أبها غنية بالمتنزهات الطبيعية والإطلالات الساحرة والحدائق الغناء والمحميات الخضراء التي لن تملها أبدًا . ويندر أن تتجول في أنحاء أبها ومنتزهاتها ولا تجد من يرتدي إكليل الورد الذي يبدع في صنعه أهالي المنطقة على بساطته .
في اليوم الثاني كانت رحلتنا باتجاه محافظة رجال ألمع والتي تقع غرب مدينة أبها على بعد 45 كلم عن طريق عقبة الصماء و على ارتفاع 1250 م، و هي مدينة تاريخية تعود لأكثر من ٣٥٠ سنة ، كما تعد مركزا تجاريا هاما وممرا للتجارة قديما بين اليمن و منطقة الحجاز .
الطريق إليها جبلي وذاو منحدرات ومنحنيات تتطلب قيادة ماهرة ، تنتشر فيها القرى والمزارع على سفوح الجبال كما يخترقها العديد من الأودية ، ويشهد التاريخ لرجال المع بالبطولات، حيث شارك رجالها بالعديد من المعارك التي استبسلوا فيها بالميدان ، فهم أكثر القبائل شهرة في الشجاعة والجرأة في الحروب، وبقيت بيوتهم شاهدة على صبرهم وجلدهم. و أصبحت اليوم مقصدا للسواح من كل مكان لمشاهدة روعة البناء والتصاميم المتميزة و قد خصص فيها أماكن للجلسات والاستراحة ، وأيضا مسرحا مفتوحا للمناسبات والاحتفالات كالمسرح الروماني .
أصبحت رجال ألمع منطقة تراثية متميزة بنمطها العمراني وبيوتها التي تجاوزت الستين منزلا شيدت على سفوح الجبال و بارتفاع يصل الى ستة أدوار و ذات نوافذ ضيقة ، و قد أبدع سكانها بتلوينها بألوان تبهج الناظرين .
يتميز مناخ رجال ألمع بشدة الحرارة صيفاً والاعتدال شتاء حيث تعد منطقة سياحة شتوية مميزة في منطقة عسير .
وحفظا لتراث المنطقة بادر أهالي رجال ألمع بإنشاء متحف ألمع للتراث عام 1405هـ في حصنُ آل علوان الذي يعد أكبر الحصون فيها ، وتم جمع المقتنيات القديمة التي تبرع بها الأهالي، و ساهمت النساء في تلوين و تكوين هذا المتحف حيث تبرعت الكثير منهن بحليهن القديمة من الفضة وأدوات الزينة .
وقد افتتح المتحف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير السابق عام 1407هـ، و أصبح السواح يقصدونه من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام
حصل المتحف على العديد من الجوائز وأهمها:
* جائزة المفتاحة لعام 1421هـ.
* جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني.
* جائزة الحفاظ على التراث لمحافظة رجال ألمع عام 1427
تشتهر محافظة رجال ألمع بالتنوع الزراعي وبالعسل الشهي
ومن أبرز معالمها قصبة العوص و جبل شركان الذي يرتفع نحو ١٩٠٠ م وجبل الشرفة بمدرجاته الخضراء .
وبالعودة الى أبها كان لا بد لنا من زيارة منتزه السحاب في مرتفعات منطقة السودة و تبعد عن أبها حوالي 15 كلم و يعد من أهم المنتزهات الطبيعية في مدينة أبها بموقعه المرتفع مما يلامس السحاب حرفيا . يرافق ذلك تدني درجات الحرارة، في موسم الصيف شديد الحرارة في معظم مناطق المملكة. لذا ازدحم المنتزه بالمصطافين على جانبي الطريق، من جميع أنحاء المملكة وأيضا من خارجها، حيث وجدنا عددا من السيارات لدول خليجية شقيقة .
كان في استقبالنا الضباب الذي طاف حولنا ، واحتضن شوقنا لنسمات البرد العليلة، متسللا بين الأشجار الكثيفة مرتقيا الجبال العالية ، و مفترشا الطرقات المزدحمة بالمصطافين والبهجة مرتسمة على وجوه الصغار والكبار ، كل ذلك كان مترافقا مع زخات خفيفة من المطر التي تبهج القلوب .