تقرير:جمال بنت عبدالله السعدي
كانت بلبيس عاصمة لدولة الفراعنة القديمة في مصر لمدة تزيد عن ١٤٥ عاما ، مرت بها العديد من الحضارات، و شهدت الكثير من الأحداث على مر التاريخ وكانت حاضرة مصر القديمة ، فهي بوابة مصر الشرقية ، لها ذكر بكتب التاريخ القديم ، وفي الكتب السماوية المقدسة تصريحا أو إشارة وتلميحا، كما جاء ذكرها في إحدى قصص ألف ليلة وليلة .
أطلقت عليها عدة أسماء في الكتب القديمة، فقد قيل (بلبيس) و(فلبيس أو فلابيس).
وكانت قد اشتهرت باسم «بل بس» أي «بيت الإله بس» و تعني القطة بالفرعونية القديمة.
ويقال أنها كانت تسمى (بيس) أو (بيسة) على اسم إحدى الملكات في العصر الروماني، ثم أضيف إليها (بل) فأصبحت (بل بيس) ومعناها القصر الجميل
ومع مرور الزمن سميت بلبيس.
جاء في مسالك الممالك لابن حوقل أن السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل عليهما السلام ولدت وعاشت في بلبيس. كما نزلت بها السيدة زينب رضي الله عنها عندما جاءت مصر ومكثت بها فترة من الزمن . واستقبلت الملك الصالح ايوب فكانت اول مدينة ينزل بها حين حكم مصر .
و في سفر التكوين من التوراة يشار إلى أن أرض (جاشان) -منطقة تل اليهودية- التابعة لبلبيس التي أقام بها النبي يعقوب عليه السلام عند لقائه بابنه النبي يوسف عليه السلام عندما جاء بهم من فلسطين ، و دفن فيها عدد من أنبياء بنى إسرائيل .
ويقال أن القرية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم من سورة يوسف في الآية 82 :
( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) المقصور بها بلبيس لقربها من منطقة حكم يوسف عليه السلام و لأنها كانت منطقة تجارة بين مصر وأرض كنعان .
و نجد في بلبيس ايضا شجرة مريم -الشجرة المقدسة – التي استظلت بها بعد هروبها إلى مصر خوفًا على حياة ابنها عيسى المسيح من الملك هيرودوس الذي أراد قتله كي لا تتحقق النبوءة ، و يوجد بجوارها بئر ماء شربت السيدة مريم منها وغسلت فيها ملابس المسيح عليه السلام و لاتزال مزارا حتى اليوم .
وكما لبلبيس أهمية تاريخية و دينية ، لها أهمية عسكرية وإستراتيجية منذ فجر التاريخ، حيث شهدت معارك إبان الفتح الإسلامي لمصر على يد القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه ، واستشهد بها نحو ٤٠ صحابيا وأكثر من ٢١٠ تابعي رضوان الله عليهم، و قبورهم موجودة حتى اليوم جوار مسجد سادات قريش الذي ابتناه عمرو بن العاص رضي الله عنه عام ١٨ للهجرة بموقع قصر الحكم الروماني ، و يعد أول مسجد في أفريقيا كلها . ولايزال حتى اليوم يستقبل المصلين بالجمع والجماعات ، وتقام به صلاة التراويح .
يقع المسجد على مساحة ٣ الاف متر مربع و يضم نحو 18 عمودا ترمز تيجانها لعدد من العصور القديمة منها الفرعوني واليوناني والبطلمي والإسلامي ، وأحد الأعمدة الواقع عند محراب المسجد مدون عليه عبارة ( الله بس )و التي تعني في اللغة الفرعونية الله واحد .
يقال أنه سمي مسجد سادات قريش نسبة لعدد من الصحابة الذين استشهدوا في بلبيس ، و يقال نسبة الى نزول السيدة زينب به لمدة شهر تقريبا مع عدد من أفراد آل البيت بعد خروجهم من المدينة المنورة بزمن الدولة الأموية .
كما يوجد في وسط مدينة بلبيس مسجد أمير الجيوش الذي بناه أحد قادة جيش الفتح الإسلامي شريك بن سمي الغطيفي عام 19 هجرية 642 ميلادية في عهد عمرو بن العاص على مساحة ٥٠٠ متر مربع و يعد ثاني مسجد تم إقامته بالمدينة بعد مسجد سادات قريش ولايزال قائما حتى اليوم و يتعهده الأهالي بالتجديد والترميم والصيانة والنظافة بصفة مستمرة وبإشراف وزارة الأوقاف المصرية .
.
واستمرت بلبيس عاصمة المنطقة الشرقية حتى عهد الوالي محمد علي باشا .
وحتى اليوم تعتبر مركزا استراتيجيا هاما ومنطقة زراعية تشتهر بالمنتجات الزراعية وتربية المواشي والخيول ، يرفدها نهر النيل بروافد تروي حقولها وبساتينها . واشتهرت بمهرجانات الهجن و مهرجان الخيول العربية العالمي السنوي .
وعلى الرغم من المكانة التاريخية والحضارية لمدينة بلبيس إلا أنها شهدت إهمالًا كبيرا لفترة من الزمن ويرجى أن تنال حظها من الحركة التنموية الكبيرة التي تشهدها مناطق عدة في جمهورية مصر في الوقت الحالي لتعود بكامل ألقها و وجهة جذب حضاري و سياحي لكونها شاهدة على تاريخ طويل لمصر المحروسة و ارتباطها في ذاكرة المصريين بأحداث كبيرة .