كثيرًا ما نسمع مقولة: “الموضوع فيه إنّ”، تُقال حين يشك الناس في أمر أو يشعرون بوجود نية مبيتة خلف الكلمات. لكن هل تساءلت يومًا عن أصل هذه العبارة؟ إنها ليست مجرد تعبير دارج، بل قصة تحمل في طياتها ذكاءً وفطنة من الزمن الماضي.
في مدينة حلب القديمة، كان الأمير “علي بن منقذ” معروفًا بذكائه وشجاعته. كان الأمير تابعًا للملك “محمود بن مرداس”، ولكن كما هو الحال في كثير من العلاقات السياسية، حدث خلاف بين الطرفين. شعر الأمير بخطر يهدد حياته بسبب نوايا الملك، فقرر الهرب إلى دمشق.
لم يتقبل الملك هروب الأمير، وأراد استدراجه للعودة إلى حلب. فأمر كاتبه بكتابة رسالة تدعو الأمير للرجوع، مدعيًا المودة والحرص عليه. كان الكاتب مقربًا من الأمير ويعلم بخطورة العودة. لكنه لم يستطع التصريح بتحذيره مباشرة، فقرر استخدام ذكائه. كتب الرسالة بأسلوب رسمي، لكنها ختمها بعبارة “إنّ شاء الله تعالى” مع تشديد النون في كلمة “إنّ”.
عندما وصلت الرسالة إلى الأمير علي بن منقذ، استوقفته تلك النون المشددة. فطن الأمير إلى أن كاتبه أراد تحذيره من مكيدة تُدبَّر له. استعاد الأمير ذهنه الآية الكريمة: “إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ”، وأدرك الرسالة المبطنة.
رد الأمير برسالة شكر فيها الملك على ثقته، لكنه ختمها بعبارة: “أنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام” مشددًا النون في كلمة “أنّا”. كان هذا الرد يحمل رسالة ذكية إلى الكاتب مفادها أن الأمير فهم التحذير، واستشهد بآية قرآنية تقول: “إِنّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا”، مؤكدًا أنه لن يعود إلى حلب.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عبارة “الموضوع فيه إنّ” رمزًا للتلميح بوجود أمر مريب أو نية خفية.
القصة تبرز ذكاء وفطنة العرب، وتؤكد أن الكلمات قد تحمل معاني أعمق من ظاهرها. فهي ليست مجرد أدوات للتواصل، بل وسيلة للتلميح والتحذير أحيانًا. لذا، حين تسمع أحدهم يقول “الموضوع فيه إنّ”، تذكر أن خلفها حكاية ممتدة من التراث .