ليس بغيضًا ولا منطوٍ ولا مريض ، من يدندن بحلم الجزيرة النائية واعتزال البشر ، فهناك عوامل كثيرة تجعل الوسط الاجتماعي حقل ألغام ومرتعًا خصبًا للصدامات ، وهناك كيمياء بين التجمعات البشرية والخلافات ، فلايكاد يخلو مجتمع عملي من الشجار المبطن ، وما أكثر مايتفننون بألوان وأشكال هذه البطانات ، بعضها يسمى عتابًا ، والبعض الآخر نصيحة ، وأرقها ذلك المسمى شوقًا ، فحتى أولئك الذين يتواصلون معنا بكثرة هم مصدر إزعاج بشكل أو بآخر ، هذه الطائرات المحلقة في أجواء الكرة الأرضية هي صورة من خلف الشبكية لذلك الحلم .
في رحلتي للبحث عن الجزيرة النائية وبعض العزلة ، اكتشفت بأنني أدخلت رأسي في كل ماهربت منه ، بل وأكثر!
صخب لم يهدأ ، غربة تثرثر ، ولهاثٌ لاستباق الزمن ، فلم نكد نستقر حتى بدأ العد التنازلي لنهاية هذه الرحلة ،
وفي أثنائها :
لنبحث عن أشياء لاتوجد لدينا ونشتريها ، ولنسأل عن أماكن تختلف عن بيئتنا لنزورها ، مثل النوم على كراسي دور السينما ، وركوب التلفريك مغمضي الأعين ، وتناول المأكولات الغريبة ثم الشعور بالغثيان ، وممارسة رياضة التزلج على الجليد كي نستطيع الادعاء بأنها رياضتنا المحببة منذ الصغر ،
ثم لنشتري الهدايا لمن ينتظرون عودتنا ، ثم لنحسب الميزانية ، فتناول الطعام في مطعم على البحيرة سيهز هذه الميزانية ، وشراء بعض الماركات الخاصة بالبلد سيحطمها ،
وفي المطار في انتظار رحلة العودة إلى ماهربنا منه ( زحام البشر وحرارة الجو ) لحظات صمت وحسابات تدور ، هل استمتعنا ؟
هل المدة بين الرحلتين كانت حلمًا ؟
لماذا لانحمل معنا في حقائبنا تلك المناظر التي رأيناها؟
وكيف يجدي أن نبذل كل هذا الجهد والمال ، لنقضي أيامًا تمضي ونعود بدونها؟
بالنسبة لي ، لا أفكر بمعاودة ارتكاب هذه الرحلة ، وأيقنت بأن حلم الجزيرة النائية والعزلة ، هو مجرد وهم ، وفي المرة القادمة سأبقى في بيتي وأرسل الزحام والحر خارجه ، ولن يكتشف كلاهما (الزحام والحر) أنني هنا ، وسيتركوني استجم وحدي ، وهذا أجدى وأبقى.
الشاعرة ليلى الاحمدي
شاعرة وفنانة تشكيلية
نائبة رئيس جمعية رواق المدينة للأديبات والمثقفات