الجزائر /العمانية/
تقف البيوت القديمة المتهالكة بأبوابها ونوافذها المنخفضة على جنبات أزقّة حي القصبة العتيق بأعالي الجزائر العاصمة، لتصنع بتعرُّجاتها مشهدًا أشبه بالمتاهة.
وتضمُّ القصبة العشراتِ من البيوت المتقاربة التي يجمعها الطابع المعماري الإسلامي المتميّز وتتشابه في اشتمال كلّ منها على بئر ونافورة ماء وساحة مربّعة الشكل من دون سقف تتوسّط البيت وتُسمّى “صحن الدار”.
ومثّلت القصبة على مدى قرون طويلة، مدينةَ الجزائر المحروسة في العهد العثماني، وكان مقرُّ السلطان العثماني بها.
وتمّ بناء الحيّ على الجبل المطلّ على البحر الأبيض المتوسط، ليُمثّل من الناحية الاستراتيجية، قاعدة عسكرية عصيّة على الأعداء، وليكون منصّة متقدّمة للدفاع عن الأرض الجزائرية.
وفضلًا عن قصوره المتنوعة وأهمُّها قصر الداي، وقصر الرياس، وقصر خداوج العمية (العمياء)، وقصر مصطفى باشا، يضمُّ حيُّ القصبة العديد من الأزقّة مثل ” زنيقة العرايس”، و”زنيقة مراد نزيم بك”، والكثير من المساجد مختلفة الأحجام والمساحات، على غرار مسجد سيدي محمد الشريف، ومسجد سيدي عبد الله، ومسجد سيدي بن علي، ومسجد كتشاوة، والعشرات من المواقع والبيوت الأثرية التي تناولتها كتب التاريخ وسجّلت مآثرها بحروفٍ من ذهب.
لكنّ الميزة التي ظلّت لصيقة بهذا الحيّ التاريخي، هي انسياب المياه العذبة الرقراقة من العيون المنتشرة فيه والتي وصل عددها إلى 200 عين، والتي لم يبقَ منها اليوم سوى 6 عيون، هي: عين مزوقة، وعين بئر جباح، وعين سيدي رمضان، وعين سيدي محمد الشريف، وعين بئر شبانة، وعين سيدي بن علي.
ومما يُميّز هذه العيون أنّها تجري بماء عذب بارد، على مدار اليوم، وبإمكان الزائر أن يقرأ اسم كل عين على لافتة مكتوبة بحروف عربية، كما يمكن ملاحظة أنّ أعمدة الرخام وقطع الخرف التي تزيّن المكان ما زالت في حالة جيّدة، بينما أتت التصدُّعات والتشقُّقات على الكثير من المربعات الخزفية التي كانت تُستعمل لتجميع المياه.
ولأنّ عددًا من تلك العيون موجودٌ بالقرب من المساجد، فإنّ المصلّين عادة ما يستعملون مياهها للوضوء، وربما تكون عملية وضعها بالقرب من المساجد قد تمّت من باب كسب الأجر والثواب.
وبحسب عبد الرحمن خليفة، المختص في التاريخ وعلم الآثار، فإنّ قصبة الجزائر كانت تشتمل على حوالي 175 عينا مدمجة في نظام ريّ جدُّ متطوّر، ومزيّنة بكتابات
تؤكد تاريخ إنجاز كل منها.
ويؤكد خبراء في علم الآثار ومهندسون معماريون أنّ ترميم تلك العيون لا يحتاج إلى خبرات تقنية عالية، وأنّ المحافظة عليها تسهم في المحافظة على جزء مهمّ من هوية حيّ القصبة العتيق.