للكاتب :حسن مدن
مثل الفرنسي رامبو، لم يعش الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين طويلاً، وإذا كان الأول قد توفي عن سبعة وثلاثين عاماً، فإن الثاني قتل وهو في السادسة والثلاثين من عمره، بعد مبارزة ثبت أن البلاط القيصري كان متورطاً في تدبيرها، للتخلص من الشاعر الذي أرقت قصائده مضاجع السلطة المستبدة في حينه، وجراء ذلك تعرض للسجن والنفي إلى مناطق روسيا النائية، قبل أن يعود إلى سانت بطرسبورغ ليقتل بعد سنوات.
حمل بوشكين في روحه شيئاً من إفريقيا من خلال دم أمه حفيدة غانيبال الحبشي الذي أحضره بطرس الأكبر معه من إثيوبيا وأبقاه في قصره، لكنه كان ويظل ابن روسيا العاصفة، المتمردة التي كانت تبحث عن نفسها في ذلك المقطع الزمني الفاصل، فاستدرج إلى المبارزة القاتلة التي كان طرفها الآخر جورج دنتيس، وهو فرنسي هاجر إلى روسيا بعد الثورة الفرنسية، ليصبح فيما بعد قريباً من النخبة السياسية الفاسدة، التي دبرت مؤامرة قتل الشاعر.
في العاصمة موسكو يقف تمثال بوشكين شامخاً في الساحة التي تحمل اسمه، وتتوزع فيها مقاعد، عليها جرت وتجري اللقاءات الأولى للعشاق الذين شغفهم الحب والحياة.
إن تلك ذاتها قصيدة، أن يجري اللقاء الأول في الساحة التي تطوف في أرجائها أحلى قصائد الحب في الشعر الروسي على مر العصور، حتى لتخال أن بوشكين في وقفته تلك يطل على محبيه الذين قد يتناجون بأشعاره الملهمة.
اختارت شركة أمريكية للوجبات السريعة مكاناً قريباً جداً من تلك الساحة لتفتح فيه أول فرع لها في روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ويذكر العالم صورة شهيرة لبوريس يلتسين الذي أكمل ما بدأه غورباتشوف في تفكيك الدولة السوفييتية، وهو يلتهم، واقفاً، «سندويتشاً» ضخماً أثناء زيارة استعراضية له لذاك الفرع.
يومها تعالت أصوات مشبعة بالروح الوطنية الروسية تقول: ألم تجدوا مكاناً غير هذا لتفتحوا به هذا المحل؟ واليوم اختفت الطوابير المهولة من الشبان المتعطشين يومذاك لتذوق هذا النوع من «الهمبورغر» أول مرة، وغدا محلاً عادياً لا يختلف عن بقية أفرعه في مختلف بقاع الأرض.
حين قُتل بوشكين كتب صديقه، الشاعر أيضاً، ليرمنتوف داعياً الله أن ينزل بروسيا اللعنة الأبدية لأنها صمتت عن مقتل أهم شاعر وهب لها، وقتل غيلة وهو لما يزل في سني شبابه وتألقه الشعري.
والحق أن روسيا لم تصمت على تلك الجريمة، فقد تحولت جنازة الشاعر القتيل يومها إلى تظاهرة احتجاج ضد القتلة ومن يقف خلفهم.
ورغم مزاجها المتقلب، تماماً كما هو طقسها، فإن روسيا ما زالت تفرد لشاعرها الأكبر مكانة القلب التي لا ينازعه عليها أحد. – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandons/page/af7e7595-8354-485b-8394-87aa63026c04#sthash.d2hWvA3j.dpufpinio