مقالة للكاتب أ.حسن مدن “شيء ما”
نقلا عن الخليج
كان بيكاسو يقول إنه يتصرّف في الفن تصرّفه مع الأشياء، فسيّان عنده أن يرسم نافذة أو يطل من نافذة، وإذا لم يرق له منظر نافذة مفتوحة في إحدى لوحاته، فإنه يغلقها ويسدل عليها الستار، تماماً كما هي الحال في الحياة.
رغم ذلك، يعطي المخيّلة ما هو لها من أهميّة في إبداعه، وإبداع أي فنان، فهو يضع على اللوحة ما يتراءى له من الرؤى المفاجئة التي تفرض نفسها على مخيلته، فهو، كما قال في إحدى شهاداته عن عمله، لا يعرف مقدماً ما الذي سيصوّره، كما أنه لا يقرر، مقدماً، أي الألوان سيستخدم، ففي كل مرة يبدأ فيها لوحة يشعر كأنه يقذف بنفسه في الهاوية، ولا يكون على يقين إذا كان سيقف على قدميه مرة أخرى أم لا.
هذا أمر يقودنا إليه التحديق في لوحته الشهيرة «جويرنيكا»، التي رسمها في ذروة الحرب الأهلية الإسبانية، في ثلاثينات القرن الماضي، وكان بيكاسو ذو الميول اليسارية معروفاً بانحيازه للجمهوريين في تلك الحرب، حيث طلبت منه الحكومة الجمهورية الشرعية أن يزيّن معرضها في باريس بلوحة تدين التمرد اليميني ضدها.
جاء هذا الطلب في يناير 1937، وبعد شهور قليلة فقط، أي في إبريل من العام نفسه، قصف الفاشيّون مدينة جويرنيكا ودمروها، ما أثار في حينه موجة احتجاج عالمي واسعة النطاق.
هول ما جرى للمدينة أوحى لبيكاسو تخطيطاته الأولى للوحة، والتي بلغت نحو سبعين رسماً، وبعد نحو شهرين من بدء العمل وصل الفنان إلى الشكل المعروف لهذه اللوحة.
باتت لوحة «جويرنيكا»، وما زالت، احتجاجاً، لا على تدمير تلك المدينة فحسب، وإنما على فكرة الحرب ذاتها، وعلى القوى التي تلجأ إلى شن الحروب، حيث نرى، في اللوحة، كل العيون متجهة للأعلى حيث تصدّت أجسام الناس العزل، الأبرياء، للقنابل المحرقة، وهو ذاته المشهد الذي ما زال يتكرر حتى اللحظة، خاصة في ديارنا العربية بدءاً من فلسطين وانتهاء ببلدان عربية أخرى.
لاحظ النقاد أن أول ما يقفز لأعيننا، ونحن نتأمل اللوحة، هو شكل الحصان الهائج، والذي يدوس بحوافره على مقاتل يعصر بيده بقايا سيف مكسور، وزهرة ما زالت متفتحة.
يرمز الحصان إلى القاتل الفاشي الذي يخلق الذعر في البيوت الآمنة، حيث تبرز، من جهة اليمين، امرأة تصرخ رافعة يديها إلى السماء من داخل دار تحترق، وبجانبها امرأة أخرى تمد رأسها العملاق وذراعها من شباك حاملة مصباحاً يصل حتى رأس الحصان، وكما لو أنها تريد تذكيره بأن العدالة لا بد وأن تنتصر. – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/5A34038D-8272-4293-9995-487201E30237#sthash.hhHrns5b.dpuf