سياح:بي بي سي
احتدم الخلاف فى الحقل الأثرى المصري بعد إعلان وزارة الآثار عن نقل 166 قطعة أثرية من المجموعة الملكية الخاصة بالملك توت عنخ آمون، لعرضها ضمن فعاليات معرض يُقام في مدينة لوس أنجليس الأمريكية فى 23 مارس/آذار المقبل، تحت عنوان “كنوز الفرعون الصغير”، تطوف بعدها، ولمدة سبع سنوات، دولا أجنبية.
وأذكى سفر القطع الأثرية جدلا بين مؤيد ومعارض، لاسيما عندما أعلنت الوزارة أن حصيلة الدخل المتوقعة من المعرض تصل إلى نحو 50 مليون دولار، وأن القيمة التأمينية لهذه المعروضات تصل إلى نحو 600 مليون دولار. واعتبر المعارضون بنود الاتفاق مجحفة للطرف المصرى تماما، ولا ترقى لقيمة الآثار المصرية التى لا تقدر بمال، فضلا عن مخاوف السرقة أو التلف.
وفي المقابل دافع المؤيدون عن المعرض، مؤكدين أن الهدف من إقامته ليس ماديا، بل الدعاية والترويج للسياحة المصرية وآثارها وعودتها مرة أخرى إلى البلاد، لاسيما أن القطع المتفق على عرضها مكررة، بحسب وصفهم.
وكانت صفحة “الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار” قد وجهت استغاثة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسى، وطالبته بالتحقيق بشأن معرض الآثار المزمع تنظيمه بالخارج تحت اسم “كنوز الفرعون الصغير”، متهمة وزارة الآثار بالتكتم على الإعلان عن هذه الخطوة.
ووصفت مونيكا حنا، عضو الحملة، ما تعتزم الوزارة فعله بـ”الكارثة”، وقالت :”هل سيتم تأجيل افتتاح المتحف المصرى الكبير سبع سنوات حتى عودة هذه القطع؟ فضلا عن كيفية عقد مئوية اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون والآثار خارج مصر”.
وأضافت حنا أن قانون الآثار يتيح تأجير الآثار المكررة، وليس المنفردة، كما أن التأجير لهيئات علمية أو متاحف، وليس لشركة خاصة، كما فى بنود العقد.
“سفير فوق العادة”
ودافع وزير الآثار المصري، خالد العنانى، عن الخطوة مؤكدا أن الوزارة لم تتكتم على خبر تنظيمها للمعرض.
وأضاف :”القطع لن يكون من ضمنها القطع الأساسية للملك، ومقتنياته الكاملة تتضمن نحو خمسة آلاف قطعة، ومقرر عرضها فى المتحف المصرى الكبير، المزمع افتتاحه نهاية 2018″.
وفي حوار مع سالي نبيل، مراسلة بي بي سي في القاهرة، قال طارق توفيق، مدير عام المتحف المصري الكبير، إن المتحف سيعرض آثار توت عنخ آمون كاملة لأول مرة، فالقطع الأثرية التي كانت تعرض في أكثر من مكان، مثل المتحف المصري بالتحرير، ومتحف الأقصر، بالإضافة إلى تلك التي كانت تحفظ في المخازن ستتجمع لأول مرة في المتحف المصري الكبير.
وأضاف أن المعرض ” سيكون سفيرا فوق العادة، يعلن للعالم أن آثار توت عنخ آمون ستنتقل إلى مكان عرضها الجديد في المتحف الكبير، فهو أداة ترويجية متميزة لا توثر على العرض في المتحف الكبير على الإطلاق، ويأتي ضمن الخطة الترويجية للمتحف الكبير”.
وأكد توفيق أن اختيار القطع لا يتحدد بقرارات فردية، بل من خلال لجنة معارض خارجية عالية المستوى، توافق على القطع المختارة بدقة. وأشار إلى أن المعرض “لن يحتوي على القطع الفريدة لكنوز توت عنخ آمون، مثل القناع، أو كرسي العرش، أو التابوت الذهبي، فجميع القطع (المختارة) لها شبيه داخل مصر”.
“عائد زهيد”
وفي المقابل، قال بسام الشماع، مرشد سياحي وعالم مصريات، لـ بي بي سي إن العالم يشهد حاليا “هيستريا” سرقات المتاحف.
وأضاف :”في عام 2017، حدثت سرقتان في ألمانيا والولايات المتحدة. كما أن أساليب سرقة المتاحف باتت متطورة وتصعب السيطرة عليها، فكيف نأمن على مقتنياتنا التي ليس لها مثيل ولا بديل. فكل قطعة تحمل بصمة الفنان المصري القديم، ولا يوجد في الآثار المصرية قطعتان متشابهتان لأنها تصنع يدويا”.
وقال الشماع :”لا توجد دولة في العالم ترسل آثارها التي ترجع إلى ثلاث آلاف عام إلى الخارج لخمس سنوات أو أكثر. فهذه الآثار قد تتعرض للتلف أثناء النقل، رغم كل ما قد يتخذ من احتياطات. كما أن مستنسخي الآثار وصلوا لدرجة عالية للغاية من الحرفية والتقنية بحيث يمكنهم تبديل الآثار الأصلية بشكل يصعب اكتشافه، حتى وإن لجأت البعثة الأثرية المرافقة للمعرض إلى استخدام البصمة على كل قطعة ستسافر، فإن خطر السرقة أو التزوير لا يزال قائما. ولنا الأسوة فيما حدث في مجموعة من المتاحف حول العالم خلال العام الماضي”.
وأضاف الشماع أن مركز كاليفورنيا العلمي الذي يستضيف المعرض قال إن 60 قطعة من مقتنيات المعرض ستخرج من مصر لأول مرة، وذلك في إطار التسويق للمعرض.
وأكد أن عائد المتحف، وهو 50 مليون دولار، بحسب تصريحات وزير الآثار، يبقى زهيدا للغاية، مقارنة بالقيمة الآثرية للقطع، وأيضا بما ينفقه السائحون عندما يأتون إلى مصر لزيارة الأماكن الآثرية.
وأشار إلى أن الترويج للآثار “لا يستدعي بالضرورة إرسالها للخارج، بل إن تقديم فيلم تسجيلي جيد يقوم بنفس الدور”.
“يعيد قوة مصر الثقافية”
من جانبه قال زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، لمراسلة بي بي سي، إن سياسة تسفير معارض إلى الخارج ليست بالجديدة، ومتبعة منذ عقود طويلة.
وقال إن “التأثير الدعائي للمعرض سيكون كبيرا للغاية، وسيعيد قوة مصر الثقافية التي فُقدت بعد عام 2011. كما يسهم في الترويج للسياحة، خصوصا أنه سيتزامن مع احتفال العالم بمرور مئة عام على اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 2022”.
واستبعد حواس فكرة أن تتعرض الآثار للتبديل أو السرقة أو التلف، موضحا أن “أي أثري يمكنه أن يكتشف الفارق بين القطعة الأصلية والمقلدة. كما أن هذا المعرض ترافقه بعثة من الأثريين ورجال الأمن، سيرافقون القطع الأثرية على مدار الساعة.”
وكانت صفحة “الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار” قد ذكرت أن معرض توت عنخ أمون سوف يسافر لأكتر من ولاية أمريكية وأكتر من دولة، وحددت خط سيره كالآتي من 22 مارس/آذار 2018 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: مركز كاليفورنيا للعلوم بلوس أنجليس، قاعة لا فيليت الكبرى بباريس، قاعة ساتشي للفن بمدينة لندن، متحف سمسونيان بمدينة واشنطن، المتحف الأسترالي، المتحف الوطني بمدينة سيول، معهد فرانكلين فلاديفيا، متحف فيلد بشيكاغو، مركز موراي للفنون بمدينة طوكيو، متحف أوساكا للفن بمدينة أوساكا.
ويعد الملك توت عنخ آمون أحد فراعنة الأسرة الثامنة عشرة في فترة الدولة الحديثة بحسب تقسيم العصور المصرية القديمة، وتولى الحكم وعمره تسع سنوات، وأعاد عاصمة البلاد إلى طيبة، بدلا من عاصمة أبيه، إخناتون، التي سميت بـ”أخيتاتون”.
واستمر حكم توت عنخ آمون عشر سنوات، وتوفي قبل أن يبلغ سن العشرين عاما، ودُفن في مقبرة صغيرة، اكتشفها العالم الإنجليزي هوارد كارتر في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1922، وكانت مصممة في الأصل لأحد الأفراد وليس الملك. وتشير الأبحاث إلى أنها أُعدت على عجل لدفنه بها، وهو ما يتضح من حجم المقبرة وكيفية العثور على المقتنيات الأثرية مكدسة بداخلها.