.
يُعد برنامج “شاعر المليون” من أبرز المبادرات الثقافية التي ساهمت في إحياء الشعر النبطي الخليجي، وإبرازه على نطاق واسع في المشهد الإعلامي العربي. فمنذ انطلاقه في عام 2006 بدعم من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، استطاع البرنامج أن يتحول من مجرد مسابقة شعرية إلى منصة ثقافية متكاملة تُؤصل التراث وتُسهم في تشكيل الذائقة الأدبية لدى الجمهور.
الشعر النبطي هو مرآة لثقافة الخليج العربي، يحكي قصص البادية، ويعبر عن قيم الفروسية، والكرم، والعشق، والانتماء ، إلا أن هذا النوع من الشعر عانى لفترةٍ ليست بالقصيرة من تراجع الاهتمام الرسمي والإعلامي، حتى جاء “شاعر المليون” ليمنح هذا الفن العريق دفعةً قويةً نحو الانتشار والتجدد.
من خلال البرنامج، أُعيد تسليط الضوء على كبار الشعراء الشعبيين، وظهر جيلٌ جديدٌ من الشعراء الشباب الذين وجدوا في هذه المنصة فرصةً للتعبير عن رؤاهم وتطلعاتهم، ما ساهم في خلق حراكٍ شعريٍ واسع يمتد من الخليج إلى كافة أرجاء الوطن العربي.
ولم يقتصر دور “شاعر المليون” على دعم الشعراء فحسب، بل امتد إلى تنمية الذائقة الشعرية لدى الجمهور ،فقد ساهم أسلوب التحكيم النقدي، والعروض الشعرية المباشرة، والنقاشات التي تدور بين الشعراء واللجنة والجمهور، في رفع مستوى الوعي بالجماليات الفنية للنص الشعري، من حيث اللغة، الوزن، الصور البلاغية، والرسائل الرمزية.
كما أن الجمهور لم يكن متلقيًا سلبيًا، بل أصبح شريكًا في العملية الإبداعية من خلال التصويت والتفاعل، ما عزز من علاقة المتابعين بالشعر الشعبي، وحول البرنامج إلى ظاهرة ثقافية جماهيرية.
استخدم البرنامج كافة الوسائط الإعلامية المتاحة، من التلفزيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مما أتاح وصول القصيدة الشعبية إلى جمهورٍ لم يكن يتابع هذا الفن سابقًا ، كما أن التغطيات الإعلامية والتحليلات الصحفية المصاحبة للمواسم المختلفة من البرنامج عمقت من فهم المشاهد للمشهد الشعري الخليجي.
ساهم البرنامج في ترسيخ الهوية الثقافية الخليجية، حيث أعاد الاعتبار للهجة البدوية ولهجة الشعراء، وربط الأجيال الشابة بتراثهم، دون أن يغفل عن المعاصرة والحداثة، وهذا التوازن بين الأصالة والتجديد هو ما جعل “شاعر المليون” مشروعًا ثقافيًا طويل الأمد، لا مجرد مسابقة عابرة .
لقد لعب “شاعر المليون” دورًا محوريًا في إعادة الاعتبار للشعر الشعبي الخليجي، ليس فقط من خلال احتضان المواهب الشعرية، بل أيضًا عبر بناء جسور ثقافية بين الشعراء والجمهور، وتنمية الذائقة الفنية، وتوظيف الإعلام لخدمة التراث ، ويمكن القول بثقة إن هذا البرنامج استطاع أن يُحدث ثورة ثقافية ناعمة في مجال الشعر النبطي، تُمهد لمستقبل أكثر إشراقًا لهذا الفن العريق.