سوق عكاظ هو صفحة تاريخية لازالت تنبض بالحياة ، هو قنديلٌ عتيق رفض الانطفاء ، حقبة مرت ولكنها ترفض الاستسلام للغياب ، تلك الأرواح التي كانت تجتمع فيه ، تتلو الشعر وتعيشه ، وتتبارى في جودته ، لازالت تحلق في ذات المكان ، إنها أرواحٌ ذاقت طعم المعاني واختلطت بها ، أرواحٌ شفت حتى استعصت على البِلى .
لذا فقد جذبتناًجميعًا إلى حيث يتنفس الشعر ، وجئنا لناحق بركب الشعر .
في طفولتنا كنت نظن أننا لو دخلنا إلى داخل التلفاز عبر الشاشة فإننا سنجد الشخصيات التي تؤدي الأدوار أمامنا ، وبأننا نستطيع التجول في نفس الأماكن التي نراها ، وما أكثر ماروادنا هذا الشعور ، هذا ماشعرت به حين دخلت إلى حيث يقام سوق عكاظ .
رأيت قافلةً من بعيد فلحقت بها ، كأن الإبل التي تسير ويمسك بزمامها أولئك الرجال الذين يرتدون ثيابًا فضفاضة ، ملونة ، كأنها وإياهم لوحة مرت بها رياح الحياة فعادت تتحرك ، خيام ضربت في أطراف المكان ، في كل خيمة حكاية ، ويختلط الحاضر بألوان هذه اللوحة فيحيلها إلى أرض العجائب .
الموسيقى الفخمة التي تملأ جنبات السوق ، هي جزء من المشهد الشامخ .
الشعر الذي يُتلى آناء الليل ، وأطراف المساء ، يبعث أمامنا طيوف الشعراء وكأننا نراهم بهاماتهم الشامخة وعباءاتهم المذهبة الأطراف .
كم جميلٌ أن نتواصل مع جذورنا الضاربة في عمق التاريخ ، ونتبادل معها أطراف الحديث .
أتيت إليه بدعوة للمشاركة بأمسية شعرية مع شعراء كبار ، شعرت بأنني الخنساء بين بني عمها الذين شبهتهم بالرماح ، كانت تجربة جميلة ، وأمنية تحققت ، هوجنة ثقافية ولجتها ، وأنوي الحضور إليها كل عام بإذن الله .