كان أجتماع سريع في منزلي فقط نحن الثلاثة بعد صلاة المغرب في 25 فبراير وكان تركي بحديثه التاريخي يأخذنا على الدرب و يحفزنا للمسير و عمر يسأل عن حال الطريق و حال البرك وعمر دائماً يبدوا متعاطفاً على حالها و حال الدرب و أستفساراته أيضاً تاريخية، أما أنا فكنت أعلم ماذا أريد؟
فقاطعتهم بقولي :فقط اجعلوا أفكاري على الورق أنه مشروع يستحق. لا أقول أني مختلف أو متميز عن أصدقائي و لكن أكاد أكون الأكثر خبرة في صناعة السياحة، طلب تركي أوراق و قلم وقال تحديداً : كثر الأوراق. تضايقت من طلبه لأنه بكل تأكيد سوف يكتب المسودة و أنا من سوف يطبعها على الكيبورد و هذا بالنسبة لي عمل شاق ، أحضرتها و ناولتها تركي قال :ماذا تريد بالضبط.
قلت : تفاصيل المشروع.
فكتب اسم المشروع و جعله فارغ و من ثم تعريفه و أهدافه و المشاركين و الوقت و هكذا… و أنا املي عليه، كان الوقت بالنسبة لي و عمر لا يوجد فيه مشاكل فأنا مرشد سياحي متفرغ و عمر كذلك و تركي قال بأنه مشغول لمدة ثلاث أسابيع فنظرت الى التقويم و اذا به أول خميس بعد الثلاثة أسابيع يوافق الخامس عشر من مارس، نحن نعلم جميعاً أن الوقت متأخر و أن الجو لن يكون مناسب للمشي فدرجة الحرارة سوف تكون مرتفعة في هذا الوقت فقد تتراوح درجة الحرارة بين 20 و ال 30 درجة مئوية و هذه بحد ذاتها صعوبة سوف نواجهها، الصعوبة الأخرى هو الخطر الذي سوف يواجهنا هو أنه في هذا الوقت يكون خروج الثعابين بأنواعها بعد بياتها الشتوي و بكل تأكيد سوف تكون أكثر شراسة و أكثر حاجة للأكل و أفراخها كذلك و هذا ما واجهناه فيما بعد، ولكن في هذه اللحظات لشغفنا و حماسنا أخذنا نبرر و نبدي الأعذار و أحياناً نتعمد أن لا نذكر معوقات تعيقنا و كل ما ذكر أحدنا معوقاً أجمعنا على كلمة ” سهالات يارجل”.
و نحن نعلم في قرارة أنفسنا أن هناك صعوبات سوف تواجهنا فخرجنا بورقة واحدة فقط فيها تفاصيل مشروعنا ما عدا الأسم وكان من اهم ما فيها المسافة التى نريد أن نقطعها و المدة، كذلك كانت الورقة تتضمن الخطة الأعلامية و هذا ما قاله لي تركي : يا ابومحمد جنبنا الأعلام و أنا بطبيعتي أعمل بروح الفريق و أحترم الزملاء و أخذ برغباتهم و أحترم مبادئ الاصدقاء و لكن بالطرق الدبلوماسية يوافقون على ما اريد أكراماً لي و أحصل على ما اريد في سبيل نجاح العمل و الأعلام هو العامل الرئيسي للنجاح أو هو العامل الأكثر تأثيراً لتحقيق الهدف من البرنامج.
تطرق زملائي لنقاط رئيسية دقيقة جداً فرددت على الفور “سهالات” و هي في الحقيقة لم تكن بالأمر الهين فتمويل البرنامج و الدعم اللوجستي هو الأهم على الأطلاق ولكن أكرر “البرنامج يستحق العناء” كان تفكيري في البداية هو أننا نستطيع تنفيذه بدون أي دعم فقط نعتمد على إمكانياتنا المتوفرة.
فكان اختيارنا لسيارة عمر و هي من نوع جي ام سي بكب مجهزة للرحلات و سيارتي صالون لاندكروزر كذلك تفي بالغرض، و لكن من هم الفريق المساند؟ او من هم الذين سوف يتولون القيام بالدعم اللوجستي؟
لم أتردد بأختيارهم فأبن أخي خالد و أبن عمي خير الله شباب هاوي و شغوف بالصحراء و مغامراتها و أعلم بأنهم لن يترددوا بالمشاركة ولن يعتذروا تقديراً لي أيضاً، و هذا ما حصل، فبعد مكالمة سريعة من الغد معهم ابدوا أستعدادهم.
خرجنا من الأجتماع و نحن متفقون على أن أتولى كافة الترتيبات اللازمة للبرنامج خلال الثلاثة أسابيع القادمة، في تلك الليلة بعد الاجتماع كنت لا أفكر بشي لا بالمشروع و تنفيذه و لا حتى بنجاحه فبمخيلتي أنه ناجح.
و هذا أمر غريب بل كان التفكير فيما بعد انتهاء البرنامج ماذا أفعل؟ هل نكمل؟ ما هي المحطات القادمة؟
كان يجدر بي أن أفكر بأدق التفاصيل، اللباس، الأكل، الإسعافات الأولية و هل بنيتنا الجسمانية و لياقتنا البدنية تسمح لنا بالسير كل هذه المسافة؟ عمر ما يزال فتياً لم يتجاوز الأربعين فقد يكون المشي كل هذه المسافة بالنسبة له أمراً هيناً و لكن أنا الذي بلغت السادسة و الأربعين و تركي الذي شارف على الخمسين ماذا سوف يكون حالنا مع هذا الدرب و مصاعبه؟ ، كذلك لم أفكر ماذا لو ضللنا الطريق ففي الصحراء لو حدت عن الجادة 5 درجات لأصبح هذا أمراً مكلفاً.
و لكن كل هذه “سهالات”
لا أعلم هل هي ثقة مفرطة بالنجاح أم جنون؟ و لكن ما أعلمه هو أن هذه هي طريقتي في العمل وهي طريقة محرجة و متعبة في كثير من الاحيان.
بعد يومين من اجتماعنا تواصلت مع تركي وطلبت منه أسم مقترح لهذا البرنامج، و بعد يومين بعث لي بسبعة أسماء مقترحة كانت جميلة و كان أبرزها “حياة الدروب العتيقة” و هو ما وقع عليه أختياري من النظرة الأولى وبدون تردد أو استشارة حذفت كلمة “حياة” و دونت “الدروب العتيقة” في الفراغ الذي يتبع أسم البرنامج الذي تركته فارغ في ليلة الاجتماع.
طبعت ملف البرنامج و الذي هو عبارة عن ورقة واحدة – و لم أعلم سبب طلب تركي لكمية كبيرة من الأوراق حتى الأن- و ارفقت معه خطاب لطلب الموافقة و الرعاية من هيئة السياحة و التراث الوطني بحائل و انطلقت بها اليهم وأنا على ثقة بموافقتهم لعلمي السابق لدعمهم مثل هذه المبادرات و لعلمي بقوة هذا البرنامج، و بالفعل كانت أجابتهم المبدئية بالموافقة و علي أن أنتظر الموافقة الرسمية خلال يومين، بدأت تتبلور في فكري و تتشكل التفاصيل و المتطلبات، المعروف بيننا أن تركي هو المختص في الجانب العلمي و رسم الدرب و المحطات التي سوف نمر عليها و هذا ما عمل عليه و حينما أنهى العمل أخبرنا بأن المسافة المستهدفة تبلغ 130 كم فقط سوف نقطعها بثلاثة أيام و بمعدل 43 كم يومياً.
و كان هذا الخبر منه بمثابة خطة معتمده لابد من تنفيذها لعدم تمكنه من اخذ إجازة، فما كان منا الا الموافقة في سبيل النجاح و تحقيق الهدف هنا لم أقل “سهالات” قلت “الله يعين”.
أما عمر كان سعيد بهذا فقد أختصر الوقت ، ولم يفكر بالجهد البدني الذي سوف يبذله.
الأن لم يتبقى الا أسبوع قمت بتجربة سريعة لمسافة 14 كم تقريباً من فيد الى أم هروج لوحدي مشياً و لم احمل معي الا قارورة ماء صغيره كانت تجربة جميلة و محفزة و لأفحص حذائي الرياضي الجديد من نوع (Nike) والذي أخترته بعناية ودقة، لم أفعل شيئاً غير هذا، و لكن ما اريد فعله واضح بالنسبة لي ولكن خلال هذه الفترة لم أستطع أيجاد داعمين للبرنامج لأن البرنامج لم يكن واضح بالنسبة لمن تم مخاطبتهم و لم أسوق له بشكل جيد ربما أن ضيق الوقت هو السبب الرئيسي في ذلك.
في رحلات المشي كهذه تحتاج لمتاع خفيف داخل شنطة ظهر و حذاء جيد و عصى،و فطور جيد و قد نستغني عن وجبة الغداء و نكتفي بتناول بعض البسكويت و العصيرات الغنية بالسكريات و كان التمر و الماء هي الأفضل بالنسبة لنا رغم ثقل وزنها.
فأثناء المشي لمسافات طويلة تكون علبة الماء البلاستيكية الفارغة سعة 330 مللتر ثقيلة جداً فكيف وانت تحمل لتر من الماء و نصف كلجرام من التمر على أقل تقدير.
كل هذه الاحتياجات اتفقت أنا وعمر على توفير النواقص منها فكنا نملك معداتنا الشخصية للمشي فيما عدى بعض الكماليات و التجهيزات الخاصة بالسيارة، مثل كراسي الجلوس و محول الكهرباء في السيارة لشحن بطاريات الأجهزة و كان تركي يحرص على أن نوفر مظلة بسيطة للجلوس تحتها أثناء راحة الظهر اتقاء حرارة الشمس و ذلك لعدم وجود أشجار مظلة في هذه الصحراء.
في هذه الأثناء و نحن على وشك الانتهاء من التجهيزات تلقيت أتصالا من صديقي الدكتور سعد الخلف مالك مجموعة الرواد العالمية وهي شركة متخصصة بالتعليم و الاستشارات و التدريب و سبق أن عملت معهم و لا زلت في بعض المشاريع و خصوصاً في المشاريع التي تهتم بالتدريب و التطوير السياحي.
فالدكتور “سعد” رجل مبادر و داعم لكل عمل يرى فيه خير وفائدة للفرد و المجتمع، يدعم و يشجع الابداع و الأفكار المتميزة و أنا شخصياً دائماً ما أجده قريبا مني في كل عمل أقوم به سواء كان بتقديم استشارة أو بدعم مادي.
كان اتصاله عادياً فنحن لا ننقطع عن بعضنا أكثر من 10 أيام و أثناء الحديث تطرقت الى برنامجنا و هو بطبيعته دقيق جداً في كل شيء فتطرق لأسم البرنامج و قال بأنه فخم و بادرني هل حصلت على دعم من جهات معينة قلت : لا قال :كم المبلغ الذي تحتاجون فذكرت له احتياجنا و قال : مجموعة الرواد سوف تقدم لكم الدعم بأذن الله، و هذا ما حصل بالفعل.
ثم أشار علي بأن أحصل على رعاية من الغرفة التجارية اضافة لمجلس التنمية السياحية بحائل و هذا ما حصل كذلك.
في يوم الأربعاء 14 مارس كانت الاستعدادات الاخيرة، كان كل شيء مكتمل و كانت المطبوعات جاهزة بشعار البرنامج وهي عبارة عن (ستيكرات) على ابواب السيارات و فانيلات أعضاء الفريق و كابات و كذلك تعمدت أن أضع الشعار على 6 أكواب بعد أن اشتريت جهاز اعداد القهوة من نوع ” فلبس” لترافقنا في هذه الرحلة فأنا من عشاق القهوة السوداء.
كان موعد انطلاقنا الى فيد و هي محطتنا الأولى و نقطة انطلاقنا بعد صلاة المغرب من ذلك اليوم اي عند السادسة مساءاً ليكون المبيت فيها و الانطلاق منها فجراً كان كل شيء جاهز فانطلقنا انا و تركي بسيارتي و عمر بسيارته لا نفكر بشي سواء كيف سوف تكون الخطوة الأولى على “طريق الحج الكوفي”