(غربة رمضان)
هيا بنا نمارس البكائية السنوية ، حول عدة أقطاب ، أحدها المسلسلات التي تنبت في رمضان كما ينبت العشب ، وآخر هو الإسراف في الأطعمة ، وثالث هو المسابقات التافهة ، ورابع هو شراء الأواني والملابس الخاصة برمضان ، فهاهي وسائل التواصل الاجتماعي تمتليء إلى فوهتها بالدموع المسكوبة والقلوب المتصدعة ، وتضج بالرسائل التي تذم وتنكر، كذلك تنتشر الإشاعات حول الكاتشاب وشراب التوت ، والأرز ، ويبدأ البعض في تصوير الموائد ونشرها ومن ثم إضافة عبارات مثل (تفضلوا معانا) (الله يحييكم) (فطورنا اليوم حياكم) وأقل المشاهدين لهذه الصور فهمًا، ينتظر إرسال الموقع ، كي تتم تلبية الدعوة.
وفي خضَم كل ذلك نتساءل :
هل لهذا البحر المتلاطم الأمواج شاطيء ؟
ومتى تصل سفينة العقول لترسو ؟.
دأب الكثيرين منا على توظيف المناسبات الدينية ، لتصوره الشخصي ، أو لهواه فيما يخص طريقة استقبالها ، فهاهم يخترعون طرقًا ويتفننون بها ويؤسسون لناطحة من الطرق التي تنمو سنويًا وتضاف الطوابق واحدًا تلو الآخر ، حتى وصلنا اليوم إلى هذه المسلمَّات التي نراها ويظنها البعض أساسيات في استقبال الشهر الكريم ،
فمتى كان من مظاهر رمضان أن نرى قماش التيزار يغطي واجهات المحلات في رمضان؟
بل وبدأ يزين واجهات بعض المنازل والموائد .
متى كان الاحتفال بليلة رمضان يعني لبس الجلابيات وتناول الحلويات وإضاءة الفوانيس؟
وماهي علاقة الشهر الفضيل بهذا العدد الهائل من المسلسلات والبرامج والمسابقات؟
وهل يرتبط صيامنا بالإفطار على هذا النوع من الأطعمة ؟
ألا يمكننا الإفطار على وجبات أخرى؟
وما أكثر ماننصرف عن الاستقبال الذي يليق بهذا الشهر !
وبدل أن نخرج منه محملين بالحسنات ، تثقل كاهلنا الذنوب .
المعذرة ياشهرنا الفضيل ، نشعرك بالغربة سنة بعد سنة ، فكأنني أراك ترى المستقبلين ولاتكاد تعرفهم ، وتصل إلى البيوت فلا تجد متكأً ، وتهمس بفضائلك فلا يسمعك إلا القليل ، وتنادي الناس إلى مائدة المغفرة والرحمة والعتق من النار ، ولا يقاسمك إياها الكثيرين ، سنصحو يومًا يارمضان ، نحتاج فقط إلى مقاطعة تجعل المتاجرين بك يفلسوا ، فيكفوا عن تجارتهم ، ونحتاج إلى عزلة ، تجعل المحتفلين يطفئوا فوانيسهم ،
وكم نحن بحاجة للوقوف في وجه هذا التيار العاتي من البرامج والمسلسلات ، وقوفنا في وجه هذا التيار لايعني السب والقدح والحديث في محتواها ، فهذا الأمر سيزيد من انتشارها ويحقق المطلوب منها ،
ولكن يعني هجر مشاهدتها وعدم التفاعل معها في وسائل التواصل .
سيعي الناس يومًا لعله يكون قريبًا ، سيعلموا أنك شهر القرآن ، لاشهر الألوان .
أ. ليلى الاحمدي
شاعرة وفنانة تشكيلية
نائبة رئيسة مؤسسة رواق المدينة للمثقفات والاديبات