كان لي شرف المشاركة في مهرجان الجنادرية (32 ) سعدت بالدعوة الكريمة ، ولقد كانت المشاركة في فعاليات المهرجان حلم يراودني منذ سنوات ، أما وقد تحقق ، فقد رأيت بأنه أجمل مما تخيلت ، حضور حفل الافتتاح كان بمثابة الولوج إلى متحف أصالة رفوفه من عتيق الحكايا ، وسقفه عريشة من صفحات الكتب والمخطوطات .
شخصت أمامي قامات فارهة من الماضي الجميل ،تحدثت معي بلسان من الفن والأدب ، تخيلت التاريخ شيخًا عربيًا يفتح باب بيته ويقف مرحبًا بضيوفه .
في كل البيوت التي مررت بها رأيت هذا الشيخ ، كان يبتسم متكئًا ويشير إلى خادمه بأن يصب لنا القهوة ، كل بيت من هذه البيوت اكتسى صبغةً فريدة تخصه وحده .
بيت المدينة هذا العام كان كما تمنيت أن يكون ، فقد أحاط بتراث المدينة الشاسع ولم يقتصر على بعض الصور ،كما فعل في السنين الماضية ، واستقبلتني فيه وجوه رأيت فيها سماحة أهل المدينة ، وبيت عسير لفتني بالحيوية التي شعت بين جنباته والجو الجنوبي الذي احتوانا بطيب الاستقبال ، واستمتعنا برؤية الرقصات الجنوبية الحماسية .
أما بيت حائل فقد استقبلنا فيه حاتم الطائي وأوسعنا ضيافة ،حتى أعاد لنا ذكرياتنا عن الكرم الحائلي ، وبيت القصيم مابيت القصيم جبل من التاريخ صعدنا بعضه ، وكلت أقدامنا أن نبلغ منتهاه ، تناولنا فيه الحلوى القصيمية والقهوة المزعفرة في جانب خلفية من اللهجة القصيمية الجميلة ، أما بيت الشرقية ، فقد استقبلنا فيه النخيل يرتدي الغتر البيضاء، وعبر القناطر مررنا لنرى الوجوه البشوشة تردد الشعر الذي ينبت هناك كما ينبت النعناع ، ومكثنا حتى تشبعت صدورنا بعبق الأزهار ، وبيت الشمال رأينا فيه من الطيور والغزلان ما اتسع له الصدر الشمالي وطربنا للشيلات المترددة عبر فضائه الواسع .
كل البيوت رأيتها أوطانًا ، بسكانها ، وبالفعل في يومٍ واحدٍ زرت مناطق المملكة كلها مشيًا على الأقدام ، وكانت الطريق بين هذه المناطق تنبت على جنباتها الأهازيح ، وتتصافح الحضارات .
وعدت من رحلة الجنادرية مضمخة بعطر التاريخ المعتق ، لكن المهرجان مستمر في فعالياته الثقافية ، والأدبية ، ندوات محاضرات أمسيات ، لقد ارتوينا فكرًا وأدبًا وفنًا .
أما مصافحة أبي الحبيب ، سلمان الحزم ، فقد كانت أغلى هدية قدمتها لي هيئة التراث والثقافة ، فقد شعرت وأنا أقف أمامه بأنني أود تقبيل رأسه فقد رأيت أبي أمامي .
الحفاوة التي استقبلنا بها من قبل هيئة التراث والثقافة لاتوصف ، أيقنت خلال ذلك بأن تمكين المرأة لم يعد حلمًا ، وأن الرجل السعودي يرحب بأخته ويعرف مكانتها ويفاخر بها .
ليست هذه المرة الأولى التي أزور بها الجنادرية لكنها الأفضل على الإطلاق ، وستكون مزاري في كل عام بإذن الله .
أ.ليلى الاحمدي
شاعرة وفنانة تشكيلية
نائبة رئيس رواق المدينة للمثقفات والاديبات
مدير تحرير مجلة سياح