تشرف أجدادنا منذ آلاف السنين بالحياة في المدينة المنورة حين كانت يثرب ، فلقد كان يسكنها قبيلتي الأوس والخزرج وقبيلة جهينة وقبيلة بلي مع بعض قبائل اليهود قبل الإسلام ، وحين أصبحت منورة بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام سُمِّي أجدادنا أنصارًا ، وازدهرت المدينة .
للمدينة المنورة جاء الكثير من المسلمين الذين أحبوا الله ورسوله ،والبعض منهم سكنوها واتخذوا منها وطنًا ، وكعادة العرب يبقى الضيف ويكرم ويصبح صاحب الدار ، وفي العهد السعودي الرشيد الذي يتسم بأخلاق العرب ذاتها ،لافرق بين المواطنين مهما كانت أصولهم ، فلهم حقوق المواطن الأصلي .
الكثير من هؤلاء أحبوا البلاد وانتموا لها وقدروا هذا الاحتفاء من دولتنا الكريمة ، لكن مع الزمن بدأ البعض القليل من المواطنين ذوو الأصول غير السعودية ، يظهرون تراث بلدانهم الأصلية على أنه تراث المدينة الأصلي ، وتحت تأثير عبارة (لاتكن عنصري ) مارس هؤلاء القلة العنصرية ضد أبناء المدينة الأصليين ،وتحت تأثير الكرم والتسامح لقبائل المدينة ، همشوا تراثنا تدريجيًا إلى أن أصبحنا نرى في المهرجانات ملابس هندية ، وتركية ، ومغربية ، مع كامل الاحترام لهذا التراث لكنه لايمثل التراث المديني ، ولا نرى لبس القبائل والذين هم السكان الأصليين للمدينه حتى قبل الإسلام ، فحين زرت بيت المدينة في الجنادرية ، وجدت عرضًا لملابس هندية بمسمى (بنجابي ) وتركية بمسمى (تسرية) ومغربية بمسمى (مديني ) الخ .. لكنني لم أجد ثوب المحاريد الذي كانت ترتديه جدتي ولا برقع الجنيهات ، ولم أر العقال النسائي الذي كانت ترتديه نساء قبيلة جهينه على الطرحة المنقوشة والثوب المطرز ، ولم أر الثوب زاهي الألوان مع الطرحة الموشاة بالجنيهات والحلي الذهبية الذي تميزت به نساء قبيلة بلي ، وكأن هذا التراث لم يكن موجودًا ، فتساءلت : ما الذي يحدث ؟، ولم أطالب بإزالة التراث الهندي والتركي والمغربي ، فقط طالبت بأن أرى ملابسنا معه ، ومع ذلك وجدت من يرفع في وجهي سلاح الاتهام بالعنصرية ، هل المطالبة بحقٍ تسمى عنصرية ؟ .
إلى عهدٍقريب كان يتم تمثيل ملابس الرجال عندنا بالغبانة الهندية ، ويتم تهميش لبس العقال المقصب والثوب ، بل يطمس تمامًا ، إلى أن التفت إليها معالي المستشار تركي آل الشيخ ومنعها لأن هذا تزييف للتراث ، ولهذا السبب لم يعد أحدٌ من مزيفي التراث قادر على عرضها ، كذلك رقصة المزمار والتي أتت من التراث الإفريقي ، تم إيقافها ، وهذا إنجازٌ أسعدنا كثيرًا .
أتمنى أن يتم الالتفات إلى ملابس النساء بنفس القدر ، ويتم منع وضع الملابس الدخيلة ويفرض وضع ملابسنا الأصلية، كذلك بعض الاحتفالات تركية الأصل مثل (سيدي شاهين) والذي وقف أحدهم ليشرح أصله في حفل نُظِّم في الحي التراثي بالمدينة ، فتحدث عن الباشا والهانم وأدرج الكلمات التركية وقال بملء فيه أن هذا تراثٌ تركي .
هل نضب تراثنا العربي الأصيل ؟ من يقبل أن تطمس هويته في عقر داره ؟
أين كسراتنا ، رقصاتنا ، أهازيجنا ، أين المرأة الحجازية التي وقفت في سوق عكاظ تنشد الشعر ، وتلته في حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ،أين النساء العربيات اللاتي ملأن الدنيا شعرًا وكنَّ للشعراء ملهمات ، أليست لهن حكايات وأمثال شعبية وقصائد ؟ وثياب وحلي وأهازيج ؟
تراث الحجاز بشكل عام ، والمدينة بشكلٍ خاص ، يحتاج إلى وقفةٍ من أصحاب الشأن ،ليس لإلغاء تراث الوافدين ولكن لإحياء تراثنا الأصلي بعد أن حاول البعض تهميشه ليتسنى لهم بعد ذلك دفنه ، وهذا لايرضي حكومتنا فتراثنا هويتنا .
2024/03/08 7:18 م
الكاتبة ليلى الأحمدي : تراثنا هويتنا
Permanent link to this article: https://soyaah.com/29986/