سياح:قنا
عرفته الموسوعة العربية بأنه دار لحفظ الآثار القديمة، والتحف النادرة، وروائع المنحوتات واللوحات الفنية، وكل ما يتصل بالتراث الحضاري، وقد يضم أعمالا علمية أو فنية، ومعلومات عن التاريخ والتقنية، وهو بحسب المجلس العالمي للمتاحف (أي مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره، مفتوح للعامة، ويقوم بجمع وحفظ وبحث وتواصل وعرض التراث الإنساني وتطوره، لأغراض التعليم والدراسة والترفيه)، هو المتحف التي يحتفي العالم به في “اليوم العالمي للمتاحف” في الثامن عشر مايو من كل عام. ويعد اليوم العالمي للمتاحف مناسبة سنوية للوقوف عند الدور الحيوي والبارز للمتحف كمؤسسة ثقافية تحفظ الشواهد المادية واللامادية للشعوب والحضارات.
وتم تأسيس اليوم العالمي للمتاحف سنة 1977 من قبل المجلس الدولي للمتاحف (إكوم- أنشئ سنة 1946)، من خلال قرار الجمعية العامة للأيكوم في موسكو بروسيا، حيث كان الهدف إنشاء حدث سنوي “بهدف زيادة توحيد الطموحات الإبداعية والجهود التي تبذلها المتاحف ولفت انتباه الرأي العام العالمي لنشاطهم”. ويتم في هذه المناسبة التذكير بأن “المتاحف وسيلة هامة للتبادل الثقافي وإثراء الثقافات وتنمية التفاهم المتبادل والتعاون والسلام بين الشعوب”. وابتداء من سنة 1992 تم تحديد موضوع سنوي للاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، وفي سنة 1997 تم تخصيص هوية بصرية لهذا اليوم عن طريق إصدار ملصق رسمي لهذا الحدث يمثل الموضوع المحتفى به.
وبخصوص اليوم العالمي للمتاحف لهذه السنة، تم تخصيص موضوع خاص يتعلق بالأحداث الأليمة التي تعرض لها التراث الثقافي في مناطق متفرقة من العالم في الماضي والحاضر: “المتاحف وتاريخ النزاعات: سرد ما لا يقال في المتاحف”، وذلك من أجل زيادة الوعي بأن “المتاحف هي وسيلة هامة للتبادل الثقافي وإثراء الثقافات وتنمية التفاهم المتبادل والتعاون والسلام بين الشعوب”، وفضاء لعرض تاريخ النزاعات من خلال المجموعات المتحفية التي تعتبر شواهد مادية تقدم رؤية وانعكاسات لعدة أحداث تاريخية تكون مؤلمة في غالب الأحيان. ويبقى الهدف المنشود هو الإعداد لتصور حول مستقبل مشترك تطبعه المصالحة.
وفي هذا الصدد، قال السيد خالد الإبراهيم، المدير التنفيذي للتخطيط الاستراتيجي بمتاحف قطر في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن دور متاحف قطر يتخطى حفظ التراث ليشمل معه التثقيف والتعليم والإلهام وبناء ثقافة أصيلة للإبداع والابتكار في قطر، ومن هذا المنطلق تتعاون متاحف قطر منذ تأسيسها مع غيرها من الجهات العالمية؛ تحقيقا لهذه الأهداف جميعا، معددا بعض الأمثلة من قبيل التعاون المتواصل بين متاحف قطر وغيرها من الجهات العالمية المعنية بالحفاظ على التراث وفي مقدمتها اليونيسكو، ومن ذلك الحملة المشتركة التي أطلقت بالتعاون بين الطرفين في نهاية العام الماضي بعنوان “معا لأجل التراث” بمشاركة شباب متطوعين من مختلف أنحاء العالم للحفاظ على موقع الزبارة الذي يعد واحدا من أكبر المواقع الأثرية في دولة قطر، بالإضافة إلى إعلان متاحف قطر منذ عدة أيام التعاون مع وزارة التراث الثقافي والأنشطة السياحية الإيطالية وجامعة يورك وجامعة قطر في مشروع بحثي للكشف عن الآثار الغارقة في المياه البحرية القطرية.
وفي مجال الإلهام والتثقيف والانفتاح على الثقافات، أشار الإبراهيم إلى تعاون متاحف قطر مع نظيراتها من المتاحف والجهات العالمية في فعاليات ومعارض مشتركة بهدف الانفتاح على التراث الإنساني والتعلم منه ومعرفة الآخر، حيث كان آخرها التعاون مع متحف باريس الوطني ومؤسسة جياكوميتي لتنظيم أول معرض في الشرق الأوسط لأعمال بيكاسو وجياكوميتي في قطر والذي يسدل الستار عنه بعد أربعة أيام من الآن، والتعاون مع مؤسسات عالمية بارزة مثل “نيويورك تايمز” لاستضافة مؤتمرها السنوي “الإبداع من أجل الغد” الذي تشارك فيه مئات الشخصيات المرموقة دوليا في مجال الفنون والإبداع وغيرها من المجالات التي تثري الحياة الفكرية والثقافية، ثم التعاون كل عام مع دولة صديقة لتنظيم فعاليات ثقافية على مدار العام في البلدين تنقل ثقافة كل منهما للآخر وذلك بالتنسيق مع المتاحف والمؤسسات الثقافية للدولة الصديقة.
وأكد السيد خالد الإبراهيم، المدير التنفيذي للتخطيط الاستراتيجي بمتاحف قطر أن من الأهداف التي تأسست لأجلها متاحف قطر، بناء ثقافية أصيلة للإبداع في قطر، إذ إن من أحدث الخطوات التي تم اتخاذها في هذا الصدد التعاون مع المؤسسة الدولية للفنون في باريس لإطلاق برنامج الإقامة الفنية، والذي يقيم خلاله فنان أو فنانة قطرية لمدة ثلاثة أشهر في استوديو مخصص في المؤسسة الدولية من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة عبر زيارة المتاحف وبناء شبكة علاقة قوية مع الفنانين من مختلف أنحاء العالم.
وحول دور متاحف قطر في الحفاظ على التراث الثقافي في مناطق متفرقة من العالم، لا سيما في ظل الأحداث الأليمة التي يتعرض لها في الماضي والحاضر، أوضح الإبراهيم، أن متاحف قطر في هذا الصدد، تنطلق من إيمان راسخ بأن التراث الإنساني حق للبشرية كلها وليس حكرا على دولة بعينها. ومن ثم تنشط قدر الإمكان لإنقاذ هذا التراث والحفاظ عليه وتعريف الناس به، لا سيما في ظل ما يحيق بهذا التراث من مخاطر في محيطنا العربي، ومن أبرز الجهود التي تبذلها متاحف قطر مشاركتها في البعثات الدولية المختلفة لحفظ الآثار، ومن ذلك مشروع قطر – السودان للحفاظ على منطقة “مروي” الأثرية. ويعد تمويل هذا المشروع أحد أضخم الاستثمارات الموجودة في العالم في مجال اكتشاف ثقافة وتاريخ الأمم، فضلا عن التعاون مع أيكوم، مذكرا بتبرع قطر بعشرة ملايين دولار لإنشاء صندوق جديد يهدف لحماية مواقع التراث العالمي التي تضررت إثر نزاعات وكوارث طبيعية وذلك خلال الاجتماع السنوي للجنة التراث العالمي، الذي استضافته قطر عام 2014 ودعت خلاله سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، “جميع الدول في أسرة التراث العالمي الكبيرة” إلى دعم مبادرة دولة قطر بـ”التبرع لهذا الصندوق”.
كما تتعاون متاحف قطر مع المنظمة العربية للمتاحف “أيكوم العرب” ، وتقدم كافة أشكال الدعم لها في مهمتها الرامية إلى دعم المتحفيين العرب والحفاظ على المتاحف العربية في ظل ما تمر به من ظروف استثنائية بسبب النزاعات والحروب. من جهته، قال السيد الشرقي دهمالي، الأمين العام للمنظمة العربية للمتاحف وعضو لجنة الأخلاقيات بالمجلس الدولي للمتاحف في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن موضوع اليوم العالمي للمتاحف لهذه السنة يشكل مناسبة للوقوف عندما تعرض له التراث الثقافي العربي المنقول والمعماري من تخريب واستنزاف، وفرصة للتفكير بعمق في مستقبل التراث العربي الذي سنورثه للأجيال المقبلة. وأوضح دهمالي، أن المتأمل في التاريخ العربي يجد أن منطقتنا العربية شكلت وستشكل دائما مجالا لبروز أطماع ومصالح بين قوى خارجية، معربا عن أسفه للتخريب والاستنزاف الذي تتعرض له الممتلكات الثقافية للبدان العربية، بما يؤدي إلى تزويد سوق الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، بقطع تراثية وفنية عربية فريدة تباع بأثمان خيالية في المزادات العلنية.
ورجع الأمين العام لـ”أيكوم العرب” بالذاكرة إلى الخمس عشرة سنة الأخيرة، حيث نجد أن عالمنا العربي شهد مجموعة من الأحداث المتسارعة والمؤلمة التي أضرت كثيرا بمعالم تراثنا المشترك، من خلال “الاستهداف الممنهج” للمعالم البارزة للتراث العربي، ممثلا لذلك باستمرار عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى المبارك منذ 1967 إلى اليوم، وما نتج عنه من تشققات في بنيته الأساسية خاصة في الجدار الجنوبي، بالإضافة إلى هدم أحياء عربية قديمة بالقدس الشريف المحتل، وتغيير معالمها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية. وأشار إلى تعرض المتاحف والمواقع الأثرية لبلاد الرافدين، خلال الاجتياح الأمريكي للعراق سنة 2003، لعمليات واسعة من السرقة والتهريب قامت بها، في أغلب الأحيان، عصابات دولية منظمة ومحترفة تحت أنظار قوات الاحتلال، لتتوالى بعد ذلك عمليات التخريب للشواهد المادية للتراث العربي لتصل ذروتها مع الربيع العربي، وما نتج عنه من فراغ وانفلات أمنين وتدخل عسكري أجنبي، أدى إلى سرقة محتويات مجموعة من المتاحف والمباني التاريخية، بالإضافة إلى تزايد غير مسبوق للحفريات الأثرية غير المشروعة بالمواقع التاريخية خاصة في كل من العراق وليبيا وسوريا.
وأضاف دهمالي: “لا ننسى ما شهدته هذه الفترة الحرجة من تفريخ لمجموعة من الجماعات المسلحة التي جعلت من تدمير التراث وسيلة للتعبير عن وهمها بالتفوق العسكري، ومن الاتجار في التحف مصدرا لملء خزينتها من العملة الصعبة. وهنا أكتفي بسرد مجموعة من الأحداث المؤلمة: تعرض مجموعة من الآثار الليبية إلى التخريب والتنقيب غير المشروع بعد التدخل الأجنبي سنة 2011، وسرقة مجموعة من القطع من المتحف المصري بالقاهرة في ليلة “جمعة الغضب” يوم 28 يناير 2011 ، وتفجير واجهة وبهو متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في يناير2014، وتدمير مدخل متحف العريش في يناير2015، وتدمير مجموعة من المتاحف والبنايات التاريخية باليمن خلال العمليات العسكرية المتتالية، ونهب وتخريب محتويات متحف الموصل في فبراير 2015، وتدمير تماثيل الثور الآشوري المجنح في المتحف وفي “بوابة نركال” الأثرية، التي ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وقتل مجموعة من زوار متحف باردو الوطني بتونس في هجوم مسلح يوم 18 مارس 2015، ثم تدمير معابد وأقواس مدينة تدمر الأثرية بسوريا، وإعدام مدير متاحف وآثار المدينة د. خالد الأسعد في أغسطس2015″.