حين سمعت بعنوان مهرجان الصويدرة للتراث (ناركم حية )، رسمت صورة لامعة وشاسعة وانتظرت يوم الانطلاق بفارغ الصبر ،مرددة بيني وبين نفسي :
أخيرًا سأرى تراثنا البدوي يُحتفى به، أوليست هذه الصحراء الذهبية والجبال الممتدة عبرها هي رمز الصفاء والقوة التي تميزنا ؟ أوليست مهد أبطالنا ؟؟ .
سأرى الخيام المنصوبة على الرمال والنار الموقدة في داخلها ، كأني بالشاعر البدوي ينادي ابنه ويقول له :
املا الوجار وخلي الباب مفتوح / خوف المسير يستحي ماينادي ،
سأسمع الشعر الذي كان والدي يردده عن أبيه وجده ، ستصدح الكسرات والمواويل في جنبات الصويدرة ، وبالتأكيد سيرى الجميع كرم البدوي وحسن استقباله ، وحتمًا ستجري الخيول العربية وترينا مهارتها في العدو ، كذلك سنرى الجمال وهي تسير قافلة محملة بالخيرات .
وصلت بعد قلبي بيومين ، وصلت إلى مسامعي شيلة ، لا أذكر كلماتها لكنها كانت جميلة جدًا ، ولمحت عند الأفق قافلة من الجمال تمشي الهوينا والتقطت لها صورة ضاهت بجمالها صور المحترفين ، بعد قليل جاءت الخيول العربية الأصيلة ، مزدانة بأجمل الحلل ، وجرى سباق بينها وقفت أتأمله وأتخيل القصص التاريخية التي سمعتها ، هناك خيام على جانبي الطريق تبيع الأطعمة البدوية ، الجريش والمرقوق ،والفطير ..الخ ، قلت لصديقتي ما أجمل هذا المكان ، وما أجمل مارأيت ، مررنا بمكان جميل جدًا توقفت عنده ، هذا المكان هو خيمة واسعة جدًا ورائعة البناء وداخلها المطارف والجلسات المرتبة ومواقد الجمر موضوعة بعناية وممتلئة ، رجال يجلسون في وقار وتدور القهوة المهيلة المزعفرة عليهم وأنواع التمور والكرك والشاي ، هذه الخيمة بدت كقصر فوق غيمة ، اقتربت منها فجاءني أحدهم مسرعًا ليمنعني من الدخول قائلًا : لايمكنك الدخول ،
سألته :
لماذا؟
أجاب :هي للرجال فقط ،
هل تقصد أن الكرم البدوي كان للرجال فقط وأن النار حية لهم فقط أما لنا فالنار ميته؟
قال هناك خيمة للنساء وأشار بيده فالتفتُّ وإذا خيمة بائسة ، لاتتجاوز مساحتها بضعة أمتار ، ملأها الغبار وهي مظلمة ولاشيء فيها سوى بعض السجاد ،الذي غطت معظمه الرمال،
ويقول بملء فيه : مخصصة للنساء!.
تكسرت أحلامي التي جاءت بي من المدينة على جناحيها ، فالنار ليست حية ، إلا في تلك الخيمة الممنوع دخولها إلا لكبار الشخصيات من الرجال ، والأمسيات الشعرية لاوجود لها ، والباب عليه حارس حتى وقد ملؤوا الوجار .
مشيت وقد خيمت الخيبة عليّ ، وجدت كراسٍ حديدية تجلس عليها العوائل في البرد ، يتناولون الوجبات التي اشتروها من الخيام المخصصة للبيع ، وهناك من الناس من افترش الأرض ، ولاحظت أن القادمين على عربات لم يستطيعوا الوصول إلى داخل المهرجان فليس هناك مسار للعربات، اختفى كل الناس من حولي وسرت أتعثر بأذيال خيبتي ، لكنني لم أغادر حتى تحدثت مع المسؤل الذي خرج إليّ بنفسه ، وأبديت تذمري وأنني توقعت فعاليات نسائية في خيمة مثل خيمتهم ، وقد كان دمثًا ، وأبدى أسفه علي تهميش المرأة ، وذكر لي تبريرات منطقية ، ووعدني خيرًا في المهرجان القادم ، وكان الصدق باديًا في حديثه ، إلا أنني مازلت أعاقر الغصة التي خرجت بها من ذلك المكان.
ليلى الاحمدي
شاعرة وفنانة تشكيلية
نائبة رئيس رواق المدينة للمثقفات والاديبات
مدير تحرير مجلة سياح
2 comments
2 pings
مارية مختار
2017/12/26 at 12:04 ص[3] Link to this comment
الشاعرة الجميلة ليلى
لك مني كل التقدير لحرصك الشديد على كرامة المراة التي كرمها سبحانه وتعالى ونبيه المصطفى صل الله عليه وسلم
كلي امل ان تكون النار حية ورائعة في عامها القادق ان صدق افلح
محبتك ام كريم
د. سلوى الخليل الامين
2017/12/26 at 12:29 ص[3] Link to this comment
جيد ان ترفع المرأة الخليجية صوتهااعتراضا على تقاليد بالية لم تكن في عهد رسولنا الكريم حيث كانت المرأة إلى جانب الرجل وتلتقي الرسول وتشارك في الحروب ..الم يقل الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب حين حاججته امرأة: أصابت امرأة واخطأ عمر….يكفي اظهار الذكورية التي لا تعي قيمة المرأة التي هي انسان كما الرجل وكلاهما في الحياة واحد في العطاء وإن اختلفت الأدوار أحيانا.. تحياتي للشاعرة الجريئة ليلى الأحمدي عسى ان نلتقي معك في لبنان