(ريال العصر )تناولني إياه والدتي رحمها الله لأشتري به من الدكان المجاور لبيتنا في حارة السيح ، ثم أجلس في وسط الحارة حيث تجلس الفتيات على إحدى العتبات ، وفي يد كل واحدة منهن ما جادت به نفس أمها ،
تنقضي العصرية بمشاهدة الأولاد يلعبون الكرة ،أو بالمرجحة في مرجيحة الحارة المجانية التي صنعها لنا بعض نشامى الحارة ،وأحيانًا تنقضي هذه العصرية بلعب الحجاج أو الدحل ، أو حتى الحكايات والقصص التي نسمعها من بعضنا ،بعدها وعلى أذان المغرب ندخل إلى بيوتنا ،أحيانًا يقطع لعبنا صوت تصفيق ، والمحظوظة هي التي لايكون التصفيق قادمًا من شباك بيتها ، ليس هناك ولد يركب المرجيحة ولا فتاة تلعب الكرة ، هناك ألوان لايصح أن يلبسها الأولاد كالزهري والأحمر والبنفسجي ، بينما ترتدي الفتيات كل الألوان ، حين يخطيءولد على ولد يضربه ، أما حين تخطيء بنت فإنه لمن الموبقات ضربها أو حتى التلاسن معها ،
نطلب المساعدة من الأولاد في حمل شيء ثقيل أو القيام بعمل صعب ، ليس هناك من يرفض طلبنا ولا يعتبره إهانة له بل يتسابقون لخدمتنا ، ومن المألوف رؤية أخ أو أب يحمل حقيبة أخته أو ابنته من وإلى مدرستها ،هناك القليل من الفتيات يضربن الأولاد ويلعبن الكرة ويرتدين البنطال وهؤلاء من نطلق على إحداهن (عيشة ولد)،ولا نصادقها بإيعاز من الأهل ، فهي غير سوية .
مع كل الفروقات بيننا وبين ال(عيال)كنا نشعر بقيمة كبيرة بل وإننا نشعر بأننا محظوظات لأننا ولدنا فتيات ، وهناك من الأولاد من يحسدنا ويتمنى أن يكون قد ولد أنثى ، فكل الأشياء الجميلة للفتيات ،وكل التسهيلات لهن وكل اللين والرفق في التعامل معهن ، لم نكن نسمع عبارات مثل :(ياله من مجتمع ذكوري! )أو نطالب بإسقاط الولاية مثلًا ، لأن الرجال في تلك الحقبة لم يستخدموا القوامة في التضييق على المرأة بل عرفوا أنها تكليف لاتشريف أنها الخدمة والرعاية واللين والتكريم .
ولكن وللأسف هناك فترة زمنية ظهر فيها فكر غريب، يدعي التدين والاستقامة ، يعسف الأحاديث الشريفة لخدمة الذكور ويلويها كما يروق له كي يروج لجاهلية مازالت تعيش فيه رغم إسلامه ، فقد تقبل من الإسلام كل شيء إلا سماحته مع المرأة ، هذه السماحة التي تميز بها الإسلام عن بقية الأديان والتي مارسها رسولنا الكريم مع زوجاته وبناته ونساء المسلمين ،لم يستطع تقبلها وأخذ يوحي للناس بأن القسوة مع المرأة هي من الحرص عليها وأن سجنها هو من باب الورع ودرء المفاسد ، وإن إخفاء الأحاديث التي في مصلحتها هو من أفضل الطرق للحفاظ على شرفها ، وتفسير الآيات التي جاءت في كتاب الله واضحةً صريحةً بتفسيرات مغايرة لواقعها ،أمر مشروع لهن ، بينما هو في الواقع يمارس جاهليته مختبئًا تحت رداء الدين ،
سبحان الله أي جرأة على الله ودينه القويم! على القرآن والسنة ! وكيف ينام أحدهم قرير العين وقد عاث في تعاليم القرآن والسنة ووضع شرعًا يناسب هواه ? هل نسي حكم من يكره شيئًا من الدين ، عدا عن حكم من يدخل في الدين ماليس فيه ?
المشكلة أن هذا الفكر قد ترسخ لدى الكثيرين ، وأصبح له حماة يظنون أنهم يحسنون صنعًا ، وحين نقول : أعطونا حقوقنا التي جاءت في القرآن والسنة ، يطلقون علينا مسمى ليبرالية أو علمانية .
الشاعرة ليلى الاحمدي
شاعرة وفنانة تشكيلية
كاتبة ومدير تحرير مجلة سياح
نائبة رئيس جمعية رواق المدينة للمثقفات والأديبات